للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يَأْمَنُ أَنْ يُغْلَبَ، فَيَكْسِرَ قُلُوبَ الْمُسْلِمِينَ، إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ شُجَاعًا وَاثِقًا مِنْ نَفْسِهِ، أُبِيحَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ بِحُكْمِ الظَّاهِرِ غَالِبٌ، وَالْمَكْرُوهُ أَنْ يَبْرُزَ الضَّعِيفُ الْمِنَّةِ، الَّذِي لَا يَثِقُ مِنْ نَفْسِهِ، فَتُكْرَهُ لَهُ الْمُبَارَزَةُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ كَسْرِ قُلُوبِ الْمُسْلِمِينَ بِقَتْلِهِ ظَاهِرًا.

(٧٤٤٤) فَصْلٌ: إذَا خَرَجَ كَافِرٌ يَطْلُبُ الْبِرَازَ، جَازَ رَمْيُهُ وَقَتْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مُشْرِكٌ لَا عَهْدَ لَهُ، وَلَا أَمَانَ لَهُ، فَأُبِيحَ قَتْلُهُ كَغَيْرِهِ، إلَّا أَنْ تَكُونَ الْعَادَةُ جَارِيَةً بَيْنَهُمْ أَنَّ مَنْ خَرَجَ يَطْلُبُ الْمُبَارَزَةَ لَا يُعْرَضُ لَهُ، فَيَجْرِي ذَلِكَ مَجْرَى الشَّرْطِ. وَإِذَا خَرَجَ إلَيْهِ أَحَدٌ يُبَارِزُهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُعِينَهُ عَلَيْهِ سِوَاهُ وَجَبَ الْوَفَاءُ بِشَرْطِهِ؛ لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ، فَإِنْ انْهَزَمَ الْمُسْلِمُ تَارِكًا لِلْقِتَالِ، أَوْ مُثْخَنًا بِجِرَاحَتِهِ، جَازَ لِكُلِّ أَحَدٍ قِتَالُهُ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا صَارَ إلَى هَذِهِ الْحَالِ فَقَدْ انْقَضَى قِتَالُهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُسْلِمُ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُقَاتِلَ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى صَفِّهِ وَفَّى لَهُ بِالشَّرْطِ، إلَّا أَنْ يَتْرُكَ قِتَالَهُ، أَوْ أَثْخَنَهُ بِالْجِرَاحِ، فَيَتْبَعَهُ لِيَقْتُلَهُ، أَوْ يُجْهِزَ عَلَيْهِ، فَيَجُوزَ أَنْ يَحُولُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، فَإِنْ قَاتَلَهُمْ قَاتَلُوهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَنَعَهُمْ إنْقَاذَهُ فَقَدْ نَقَضَ أَمَانَهُ.

وَإِنْ أَعَانَ الْكُفَّارُ صَاحِبَهُمْ، فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُعِينُوا صَاحِبَهُمْ أَيْضًا، وَيُقَاتِلُوا مَنْ أَعَانَ عَلَيْهِ، وَلَا يُقَاتِلُونَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصُنْعٍ مِنْ جِهَتِهِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ اسْتَنْجَدَهُمْ، أَوْ عُلِمَ مِنْهُ الرِّضَا بِفِعْلِهِمْ، صَارَ نَاقِضًا لِأَمَانِهِ، وَجَازَ لَهُمْ قَتْلُهُ. وَذَكَرَ الْأَوْزَاعِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُسْلِمِينَ مُعَاوَنَةُ صَاحِبِهِمْ، وَإِنْ أُثْخِنَ بِالْجِرَاحِ. قِيلَ لَهُ: فَخَافَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى صَاحِبِهِمْ؟ قَالَ: وَإِنْ؛ لِأَنَّ الْمُبَارَزَةَ إنَّمَا تَكُونُ هَكَذَا، وَلَكِنْ لَوْ حَجَزُوا بَيْنَهُمَا، وَخَلَّوْا سَبِيلَ الْعِلْجِ.

قَالَ: فَإِنْ أَعَانَ الْعَدُوُّ صَاحِبَهُمْ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يُعِينَ الْمُسْلِمُونَ صَاحِبَهُمْ. وَلَنَا، أَنَّ حَمْزَةَ، وَعَلِيًّا أَعَانَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ عَلَى قَتْلِ شَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، حِينَ أُثْخِنَ عُبَيْدَةُ

[فَصْلٌ الْخُدْعَةُ فِي الْحَرْبِ لِلْمُبَارِزِ وَغَيْرِهِ]

(٧٤٤٥) فَصْلٌ: وَتَجُوزُ الْخُدْعَةُ فِي الْحَرْبِ لِلْمُبَارِزِ، وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْحَرْبُ خُدْعَةٌ» . وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَرُوِيَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ وُدٍّ بَارَزَ عَلِيًّا كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ، فَلَمَّا أَقْبَلَ عَلَيْهِ، قَالَ عَلِيٌّ: مَا بَرَزْت لِأُقَاتِلَ اثْنَيْنِ. فَالْتَفَتَ عَمْرٌو فَوَثَبَ عَلَيْهِ فَضَرَبَهُ، فَقَالَ عَمْرو: خَدَعْتنِي. فَقَالَ عَلِيٌّ: الْحَرْبُ خُدْعَةٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>