للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِ الْإِعَادَةَ؛ لِسَتْرِهِ بَعْضَ الْمَنْكِبَيْنِ، فَاجْتُزِئَ بِسَتْرِ أَحْدِ الْعَاتِقَيْنِ عَنْ سَتْرِ الْآخَرِ، لِامْتِثَالِهِ لِلَفْظِ الْخَبَرِ. وَوَجْهُ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ الصَّلَاةِ مَعَ كَشْفِ الْمَنْكِبَيْنِ، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَلِأَنَّهَا سُتْرَةٌ وَاجِبَةٌ فِي الصَّلَاةِ فَالْإِخْلَالُ بِهَا يُفْسِدُهَا كَسَتْرِ الْعَوْرَةِ.

[فَصْلٌ سَتْرُ الْمَنْكِبَيْنِ فِي الصَّلَاة]

(٨٠٨) فَصْلٌ: وَلَا يَجِبُ سَتْرُ الْمَنْكِبَيْنِ جَمِيعِهِمَا، بَلْ يُجْزِئُ سِتْرُ بَعْضِهِمَا، وَيُجْزِئُ سَتْرُهُمَا بِثَوْبٍ خَفِيفٍ يَصِفُ لَوْنَ الْبَشَرَةِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ سَتْرِهِمَا بِالْحَدِيثِ، وَلَفْظُهُ: «لَا يُصَلِّي الرَّجُلُ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ» . وَهَذَا يَقَعُ عَلَى مَا يَعُمُّ الْمَنْكِبَيْنِ، وَمَا لَا يَعُمُّهُمَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا نَصَّ أَحْمَدَ فِيمَنْ صَلَّى وَإِحْدَى مَنْكِبَيْهِ مَكْشُوفَةٌ، فَلَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ الْإِعَادَةَ. فَإِنْ طَرَحَ عَلَى كِتْفِهِ حَبْلًا أَوْ خَيْطًا وَنَحْوَهُ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ؛ لِقَوْلِهِ شَيْئًا مِنْ اللِّبَاسِ، وَهَذَا لَا يُسَمَّى لِبَاسًا. وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي.

وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا شَيْءٌ، فَيَكُونُ الْحَدِيثُ مُتَنَاوِلًا لَهُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ، «أَنَّهُ صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُتَوَشِّحًا بِهِ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَيْهِ كَأَنَّ عَلَى عَاتِقِهِ ذَنَبَ فَأْرَةٍ.» وَعَنْهُ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا لَمْ يَجِدْ أَحَدُهُمْ ثَوْبًا أَلْقَى عَلَى عَاتِقِهِ عِقَالًا وَصَلَّى. وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَلْيُخَالِفْ بَيْنَ طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ» . مِنْ الصِّحَاحِ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَلِأَنَّ الْأَمْرَ بِوَضْعِهِ عَلَى الْعَاتِقَيْنِ لِلسَّتْرِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِوَضْعِ خَيْطٍ وَلَا حَبْلٍ، وَلَا يُسَمَّى سُتْرَةً وَلَا لِبَاسًا. وَمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ لَمْ يَصِحَّ، وَمَا رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ، إنْ صَحَّ عَنْهُمْ؛ فَلِعَدَمِ مَا سِوَاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

[فَصْلٌ مَا اُشْتُرِطَ لِلْفَرْضِ اُشْتُرِطَ لِلنَّفْلِ]

(٨٠٩) فَصْلٌ: وَلَمْ يُفَرِّقْ الْخِرَقِيِّ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ عَامٌّ فِيهِمَا، وَلِأَنَّ مَا اُشْتُرِطَ لِلْفَرْضِ اُشْتُرِطَ لِلنَّفْلِ، كَالطَّهَارَةِ. وَنَصَّ أَحْمَدُ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ فِي التَّطَوُّعِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ إنَّهُ يُجْزِئُهُ أَنْ يَأْتَزِرَ بِالثَّوْبِ الْوَاحِدِ، لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ، فِي التَّطَوُّعِ؛ لِأَنَّ النَّافِلَةَ مَبْنَاهَا عَلَى التَّخْفِيفِ. وَلِذَلِكَ يُسَامَحُ فِيهِ بِهَذَا الْمِقْدَارِ. وَاسْتَدَلَّ أَبُو بَكْرٍ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا كَانَ الثَّوْبُ ضَيِّقًا فَاشْدُدْهُ عَلَى حَقْوِكَ» . قَالَ: هَذَا فِي التَّطَوُّعِ، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْفَرْضِ.

[مَسْأَلَة كَانَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ وَاحِدٌ فِي الصَّلَاة بَعْضُهُ عَلَى عَاتِقِهِ]

[الْفَصْلُ الْأُوَلُ فِيمَا يُجْزِئُ فِي الصَّلَاةِ]

(٨١٠) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: وَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ وَاحِدٌ بَعْضُهُ عَلَى عَاتِقِهِ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ. وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي اللِّبَاسِ فِي أَرْبَعَةِ فُصُولٍ؛ الْفَصْلُ الْأُوَلُ: فِيمَا يُجْزِئُ فِي الصَّلَاةِ. وَالثَّانِي: فِي الْفَضِيلَةِ. وَالثَّالِثُ: فِيمَا يُكْرَهُ. وَالرَّابِعُ: فِيمَا يَحْرُمُ.

(٨١١) فَصْلٌ: أَمَّا الْأُوَلُ فَإِنَّهُ يُجْزِئُ ثَوْبٌ وَاحِدٌ يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ، وَبَعْضُهُ أَوْ غَيْرُهُ عَلَى عَاتِقِهِ؛ لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ سَلِمَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>