للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَائِشَةُ: إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ لَتُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَيَجُوزُ. وَعَنْ أُمِّ هَانِئٍ، أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي أَجَرْت أَحْمَائِي، وَأَغْلَقْت عَلَيْهِمْ، وَإِنَّ ابْنَ أُمِّي أَرَادَ قَتْلَهُمْ. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْت يَا أُمَّ هَانِئٍ، إنَّمَا يُجْهِرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ» . رَوَاهُمَا سَعِيدٌ. وَأَجَارَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ، فَأَمْضَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (٧٤٧٩) فَصْلٌ: وَيَصِحُّ أَمَانُ الْأَسِيرِ إذَا عَقَدَهُ غَيْرَ مُكْرَهٍ؛ لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ الْخَبَرِ، وَلِأَنَّهُ مُسْلِمٌ مُكَلَّفٌ مُخْتَارٌ، فَأَشْبَهَ غَيْرَ الْأَسِيرِ.

وَكَذَلِكَ أَمَانُ الْأَجِيرِ وَالتَّاجِرِ فِي دَارِ الْحَرْبِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: لَا يَصِحُّ أَمَانُ أَحَدٍ مِنْهُمْ. وَلَنَا عُمُومُ الْحَدِيثِ، وَالْقِيَاسُ عَلَى غَيْرِهِمْ. فَأَمَّا الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ، فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: فِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، لَا يَصِحُّ أَمَانُهُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، وَلَا يَلْزَمُهُ بِقَوْلِهِ حُكْمٌ، فَلَا يَلْزَمُ غَيْرَهُ، كَالْمَجْنُونِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، يَصِحُّ أَمَانُهُ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَصِحُّ أَمَانُهُ، رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَحَمَلَ رِوَايَةَ الْمَنْعِ عَلَى غَيْرِ الْمُمَيِّزِ، وَاحْتَجَّ بِعُمُومِ الْحَدِيثِ، وَلِأَنَّهُ مُسْلِمٌ مُمَيِّزٌ، فَصَحَّ أَمَانُهُ، كَالْبَالِغِ، وَفَارَقَ الْمَجْنُونَ، فَإِنَّهُ لَا قَوْلَ لَهُ أَصْلًا.

(٧٤٨٠) فَصْلٌ: وَلَا يَصِحُّ أَمَانُ كَافِرٍ، وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ.» فَجَعَلَ الذِّمَّةَ لِلْمُسْلِمِينَ، فَلَا تَحْصُلُ لِغَيْرِهِمْ، وَلِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ عَلَى الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، فَأَشْبَهَ الْحَرْبِيَّ. وَلَا يَصِحُّ أَمَانُ مَجْنُونٍ، وَلَا طِفْلٍ، لِأَنَّ كَلَامَهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، وَلَا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمٌ. وَلَا يَصِحُّ أَمَانُ زَائِلِ الْعَقْلِ، بِنَوْمٍ أَوْ سُكْرٍ أَوْ إغْمَاءٍ؛ لِذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ الْمَصْلَحَةَ مِنْ غَيْرِهَا، فَأَشْبَهَ الْمَجْنُونَ.

وَلَا يَصِحُّ مِنْ مُكْرَهٍ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ أُكْرِهَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَالْإِقْرَارِ. (٧٤٨١) فَصْلٌ: وَيَصِحُّ أَمَانُ الْإِمَامِ لِجَمِيعِ الْكُفَّارِ وَآحَادِهِمْ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ عَامَّةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ. وَيَصِحُّ أَمَانُ الْأَمِيرِ لِمَنْ أُقِيمَ بِإِزَائِهِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، فَأَمَّا فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ، فَهُوَ كَآحَادِ الْمُسْلِمِينَ، لِأَنَّ وِلَايَتَهُ عَلَى قِتَالِ أُولَئِكَ دُونَ غَيْرِهِمْ.

وَيَصِحُّ أَمَانُ آحَادِ الْمُسْلِمِينَ لِلْوَاحِدِ، وَالْعَشَرَةِ، وَالْقَافِلَةِ الصَّغِيرَةِ، وَالْحِصْنِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -

<<  <  ج: ص:  >  >>