للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِمَا رَوَى الْجُوزَجَانِيُّ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي مُوسَى، أَنَّهُ كَتَبَ إلَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ: إنَّا وَجَدْنَا بِالْعِرَاقِ خَيْلًا عِرَاضًا دُكْنًا، فَمَا تَرَى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي سُهْمَانِهَا؟ فَكَتَبَ إلَيْهِ: تِلْكَ الْبَرَاذِينُ، فَمَا قَارَبَ الْعَتَاقَ مِنْهَا، فَاجْعَلْ لَهُ سَهْمًا وَاحِدًا، وَأَلْغِ مَا سِوَى ذَلِكَ.

وَلَنَا، مَا رَوَى سَعِيدٌ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي الْأَقْمَرِ قَالَ: أَغَارَتْ الْخَيْلُ عَلَى الشَّامِ، فَأَدْرَكَتْ الْعِرَابُ مِنْ يَوْمِهَا، وَأَدْرَكَتْ الْكَوَادِنُ ضُحَى الْغَدِ، وَعَلَى الْخَيْلِ رَجُلٌ مِنْ هَمْدَانَ، يُقَالُ لَهُ: الْمُنْذِرُ بْنُ أَبِي حُمَيْضَةَ، فَقَالَ: لَا أَجْعَلُ الَّذِي أَدْرَكَ مِنْ يَوْمِهِ مِثْلَ الَّذِي لَمْ يُدْرِكْ. فَفَضَّلَ الْخَيْلَ، فَقَالَ عُمَرُ: هَبِلَتْ الْوَادِعِيَّ أُمُّهُ، أَمْضُوهَا عَلَى مَا قَالَ. وَلَمْ يُعْرَفْ عَنْ الصَّحَابَةِ خِلَافُ هَذَا الْقَوْلِ. وَرَوَى مَكْحُولٌ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى الْفَرَسَ الْعَرَبِيَّ سَهْمَيْنِ، وَأَعْطَى الْهَجِينَ سَهْمًا. رَوَاهُ سَعِيدٌ أَيْضًا، وَلِأَنَّ نَفْعَ الْعَرَبِيِّ وَأَثَرَهُ فِي الْحَرْبِ أَفْضَلُ، فَيَكُونُ سَهْمُهُ أَرْجَحَ، كَتَفَاضُلِ مَنْ يُرْضَخُ لَهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهُ مِنْ الْخَيْلِ. قُلْنَا: وَالْخَيْلُ فِي نَفْسِهَا تَتَفَاضَلُ، فَتَتَفَاضَلُ سُهْمَانُهَا. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَسَمَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ، مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ. قُلْنَا: هَذِهِ قَضِيَّةٌ فِي عَيْنٍ، لَا عُمُومَ لَهَا، فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهَا بِرْذَوْنٌ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، فَإِنَّهَا مِنْ خَيْلِ الْعَرَبِ، وَلَا بَرَاذِينَ فِيهَا، وَدَلَّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا، أَنَّهُمْ لَمَّا وَجَدُوا الْبَرَاذِينَ بِالْعِرَاقِ، أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ أَمْرُهَا، وَأَنَّ عُمَرَ فَرَضَ لَهَا سَهْمًا وَاحِدًا، وَأَمْضَى مَا قَالَ الْمُنْذِرُ بْنُ أَبِي حُمَيْضَةَ فِي تَفْضِيلِ الْعِرَابِ عَلَيْهَا.

وَلَوْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَوَّى بَيْنَهُمَا، لَمْ يَخْفَ ذَلِكَ عَلَى عُمَرَ، وَلَا خَالَفَهُ، وَلَوْ خَالَفَهُ لَمْ يَسْكُتْ الصَّحَابَةُ عَنْ إنْكَارِهِ عَلَيْهِ، سِيَّمَا وَابْنُهُ هُوَ رَاوِي الْخَبَرِ، فَكَيْفَ يَخْفَى ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ فَضَّلَ الْعِرَابَ أَيْضًا، فَلَمْ يَذْكُرْهُ الرَّاوِي، لِغَلَبَةِ الْعِرَابِ، وَقِلَّةِ الْبَرَاذِينِ، وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ، خَبَرُ مَكْحُولٍ الَّذِي رَوَيْنَاهُ، وَقِيَاسُهَا عَلَى الْآدَمِيِّ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْعَرَبِيَّ مِنْهُمْ لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْحَرْبِ زِيَادَةً عَلَى غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْعَرَبِيِّ مِنْ الْخَيْلِ عَلَى غَيْرِهِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَة لَا يُسْهَمُ لِأَكْثَرَ مِنْ فَرَسَيْنِ]

(٧٤٩٥) قَالَ: (وَلَا يُسْهَمُ لِأَكْثَرَ مِنْ فَرَسَيْنِ) . يَعْنِي إذَا كَانَ مَعَ الرَّجُلِ خَيْلٌ، أُسْهِمَ لِفَرَسَيْنِ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ، وَلِصَاحِبِهِمَا سَهْمٌ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: لَا يُسْهَمُ لِأَكْثَرِ مِنْ فَرَسٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَاتِلَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهَا، فَلَمْ يُسْهَمْ لِمَا زَادَ عَلَيْهَا، كَالزَّائِدِ عَنْ الْفَرَسَيْنِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>