للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبُو بَكْرٍ: يُرْضَخُ لَهُ بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنْ الرِّقِّ، وَيُسْهَمُ لَهُ بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ؛ فَإِذَا كَانَ نِصْفُهُ حُرًّا، أُعْطِيَ نِصْفَ سَهْمٍ، وَرُضِخَ لَهُ نِصْفُ الرَّضْخِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يُمْكِنُ تَبْعِيضُهُ، يُقْسَمُ عَلَى قَدْرِ مَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ وَالْمِيرَاثِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، أَنَّهُ يُرْضَخُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ الْقِتَالِ، فَأَشْبَهَ الرَّقِيقَ.

(٧٥٠٤) فَصْلٌ: وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ يُرْضَخُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ رَجُلٌ يَقْسِمُ لَهُ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ الْجِهَادِ، فَأَشْبَهَ الْمَرْأَةَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقْسَمَ لَهُ نِصْفُ سَهْمٍ وَنِصْفُ الرَّضْخِ كَالْمِيرَاثِ.

فَإِنْ انْكَشَفَ حَالِهِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَجُلٌ، أُتِمَّ لَهُ سَهْمُ رَجُلٍ، سَوَاءٌ انْكَشَفَ قَبْلَ تَقَضِّي الْحَرْبِ أَوْ بَعْدَهُ، أَوْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَوْ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّنَا تَبَيَّنَّا أَنَّهُ كَانَ مُسْتَحِقًّا لِلسَّهْمِ، وَأَنَّهُ أُعْطِيَ دُونَ حَقِّهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أُعْطِيَ بَعْضُ الرِّجَالِ دُونَ حَقِّهِ غَلَطًا.

(٧٥٠٥) فَصْلٌ: وَالصَّبِيُّ يُرْضَخُ، وَلَا يُسْهَمُ لَهُ. وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَاللَّيْثُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ. وَعَنْ الْقَاسِمِ، وَسَالِمٍ، فِي الصَّبِيِّ يَغْزُو بِهِ، لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ. وَقَالَ مَالِكٌ: يُسْهَمُ لَهُ إذَا قَاتَلَ، وَأَطَاقَ ذَلِكَ، وَمِثْلُهُ قَدْ بَلَغَ الْقِتَالَ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ ذَكَرٌ مُقَاتِلٌ، فَيُسْهَمُ لَهُ كَالرَّجُلِ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: يُسْهَمُ لَهُ. وَقَالَ: أَسْهَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلصِّبْيَانِ بِخَيْبَرَ، وَأَسْهَمَ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ لِكُلِّ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ.

وَرَوَى الْجُوزَجَانِيُّ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْوَضِينِ بْنِ عَطَاءٍ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي جَدَّتِي، قَالَتْ: كُنْت مَعَ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَكَانَ يُسْهِمُ لِأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، لِمَا فِي بُطُونِهِنَّ.

وَلَنَا، مَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: كَانَ الصِّبْيَانُ وَالْعَبِيدُ يُحْذَوْنَ مِنْ الْغَنِيمَةِ إذَا حَضَرُوا الْغَزْوَ، فِي صَدْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ.

وَرَوَى الْجُوزَجَانِيُّ، بِإِسْنَادِهِ، أَنَّ تَمِيمَ بْنَ قَرْعٍ الْمَهْدِيَّ، كَانَ فِي الْجَيْشِ الَّذِينَ فَتَحُوا الْإِسْكَنْدَرِيَّة، فِي الْمَرَّةِ الْآخِرَةِ، قَالَ: فَلَمْ يَقْسِمْ لِي عَمْرٌو مِنْ الْفَيْءِ شَيْئًا، وَقَالَ: غُلَامٌ لَمْ يَحْتَلِمْ. حَتَّى كَادَ يَكُونُ بَيْنَ قُومِي وَبَيْنَ أُنَاسٍ مِنْ قُرَيْشٍ فِي ذَلِكَ ثَائِرَةٌ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: فِيكُمْ أُنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْأَلُوهُمْ. فَسَأَلُوا أَبَا نَضْرَةَ الْغِفَارِيَّ، وَعُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ، فَقَالَا: اُنْظُرُوا، فَإِنْ كَانَ قَدْ أَشْعَرَ، فَاقْسِمُوا لَهُ، فَنَظَرَ إلَيَّ بَعْضُ الْقَوْمِ، فَإِذَا أَنَا قَدْ أَنْبَتُّ، فَقَسَمَ لِي.

قَالَ الْجُوزَجَانِيُّ هَذَا مِنْ مَشَاهِيرِ حَدِيثِ مِصْرَ وَجَيِّدِهِ. وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ، فَلَمْ يُسْهَمْ لَهُ كَالْعَبْدِ، وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَسَمَ لِصَبِيٍّ، بَلْ كَانَ لَا يُجِيزُهُمْ فِي الْقِتَالِ، فَإِنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: عُرِضْت عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَلَمْ يُجِزْنِي فِي الْقِتَالِ، وَعُرِضْت عَلَيْهِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ، فَأَجَازَنِي، وَمَا ذَكَرُوهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ الرَّاوِيَ سَمَّى الرَّضْخَ سَهْمًا، بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَاهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>