للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْكِحَتِهِمْ. وَلِأَنَّنَا إذَا لَمْ نَحْكُمْ بِفَسْخِ النِّكَاحِ فِيمَا إذَا سُبِيَا مَعًا، مَعَ الِاسْتِيلَاءِ عَلَى مَحَلِّ حَقِّهِ، فَلَأَنْ لَا يَنْفَسِخَ نِكَاحُهُ مَعَ عَدَمِ الِاسْتِيلَاءِ أَوْلَى. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إذَا سُبِيَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ، انْفَسَخَ النِّكَاحُ. وَلَمْ يُفَرِّقْ.

وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَيْنِ افْتَرَقَتْ بِهِمَا الدَّارُ، وَطَرَأَ الْمِلْكُ عَلَى أَحَدِهِمَا، فَانْفَسَخَ النِّكَاحُ، كَمَا لَوْ سُبِيَتْ الْمَرْأَةُ وَحْدَهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ سُبِيَ وَاسْتَرَقَّ، انْفَسَخَ نِكَاحُهُ، وَإِنْ مُنَّ عَلَيْهِ أَوْ فَوُدِّي، لَمْ يَنْفَسِخْ. وَلَنَا، مَا ذَكَرْنَاهُ، وَأَنَّ السَّبْيَ لَمْ يُزِلْ مِلْكَهُ عَنْ مَالِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَلَمْ يُزِلْهُ عَنْ زَوْجَتِهِ، كَمَا لَمْ يُزِلْهُ عَنْ أَمَتِهِ.

(٧٥٣٦) فَصْلٌ: وَلَمْ يُفَرِّقْ أَصْحَابُنَا فِي سَبْيِ الزَّوْجَيْنِ، بَيْنَ أَنْ يَسْبِيَهُمَا رَجُلٌ وَاحِدٌ أَوْ رَجُلَانِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّهُمَا إذَا كَانَا مَعَ رَجُلَيْنِ، كَانَ مَالِكٌ الْمَرْأَةِ مُنْفَرِدًا بِهَا، وَلَا زَوْجَ مَعَهُ لَهَا، فَتَحِلُّ لَهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٢٤] . وَذَكَرَ الْأَوْزَاعِيُّ، أَنَّ الزَّوْجَيْنِ إذَا سُبِيَا، فَهُمَا عَلَى النِّكَاحِ فِي الْمُقَاسِمِ، فَإِنْ اشْتَرَاهُمَا رَجُلٌ، فَلَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا إنْ شَاءَ، أَوْ يُقِرُّهُمَا عَلَى النِّكَاحِ. وَلَنَا، أَنَّ تَجَدُّدَ الْمِلْكِ فِي الزَّوْجَيْنِ لِرَجُلٍ لَا يَقْتَضِي جَوَازَ الْفَسْخِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى زَوْجَيْنِ مُسْلِمَيْنِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِي الْقِسْمَةِ وَالْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِذَلِكَ.

[فَصْلٌ أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ]

(٧٥٣٧) فَصْلٌ: إذَا أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ، حُقِنَ مَالُهُ وَدَمُهُ وَأَوْلَادُهُ الصِّغَارُ مِنْ السَّبْيِ. وَإِنْ دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ، وَلَهُ أَوْلَادٌ صِغَارٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ، صَارُوا مُسْلِمِينَ، وَلَمْ يَجُزْ سَبْيُهُمْ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَا كَانَ فِي يَدَيْهِ مِنْ مَالِهِ وَرَقِيقِهِ وَمَتَاعِهِ وَوَلَدِهِ الصِّغَارِ، تُرِكَ لَهُ، وَمَا كَانَ مِنْ أَمْوَالِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ، جَازَ سَبْيُهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ إسْلَامُهُمْ بِإِسْلَامِهِ، لِاخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ بَيْنَهُمْ، وَلِهَذَا إذَا سُبِيَ الطِّفْلُ وَأَبَوَاهُ فِي دَارِ الْكُفْرِ، لَمْ يَتْبَعُهَا، وَيَتْبَعُ سَابِيه فِي الْإِسْلَامِ، وَمَا كَانَ مِنْ أَرْضٍ أَوْ دَارٍ فَهُوَ فَيْءٌ، وَكَذَلِكَ زَوْجَتُهُ إذَا كَانَتْ كَافِرَةً، وَمَا فِي بَطْنِهَا فَيْءٌ. وَلَنَا، أَنَّ أَوْلَادَهُ أَوْلَادُ مُسْلِمٍ، فَوَجَبَ أَنْ يَتْبَعُوهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، كَمَا لَوْ كَانُوا مَعَهُ فِي الدَّارِ، وَلِأَنَّ مَالَهُ مَالُ مُسْلِمٍ، فَلَا يَجُوزُ اغْتِنَامُهُ، كَمَا لَوْ كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَبِذَلِكَ يُفَارِقُ مَالَ الْحَرْبِيِّ وَأَوْلَادَهُ.

وَمَا ذَكَرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَلْزَمُ؛ فَإِنَّنَا نَجْعَلُهُ تَبَعًا لِلسَّابِي؛ لِأَنَّنَا لَا نَعْلَمُ بَقَاءَ أَبَوَيْهِ، فَأَمَّا أَوْلَادُهُ الْكِبَارُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>