للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَا يَعْصِمُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَتْبَعُونَهُ، وَلَا يَعْصِمُ زَوْجَتَهُ لِذَلِكَ، فَإِنْ سُبِيَتْ صَارَتْ رَقِيقًا، وَلَمْ يَنْفَسِخْ نِكَاحُهُ بِرِقِّهَا، وَلَكِنْ يَكُونُ حُكْمُهَا فِي النِّكَاحِ وَفَسْخِهِ حُكْمَ مَا لَوْ لَمْ تُسْبَ، عَلَى مَا مَرَّ فِي نِكَاحِ أَهْلِ الشِّرْكِ فَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا مِنْ زَوْجِهَا، لَمْ يَجُزْ اسْتِرْقَاقُ الْحَمْلِ، وَكَانَ حُرًّا مُسْلِمًا. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُحْكَمُ بِرِقِّهِ مَعَ أُمِّهِ؛ لِأَنَّ مَا سَرَى إلَيْهِ الْعِتْقُ سَرَى إلَيْهِ الرِّقُّ، كَسَائِرِ أَعْضَائِهَا. وَلَنَا، أَنَّهُ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ وَإِسْلَامِهِ، فَلَمْ يَجُزْ اسْتِرْقَاقُهُ، كَالْمُنْفَصِلِ، وَيُخَالِفُ الْأَعْضَاءَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْفَرِدُ بِحُكْمٍ عَنْ الْأَصْلِ.

(٧٥٣٨) فَصْلٌ: وَإِذَا أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَلَهُ مَالٌ وَعَقَارٌ، أَوْ دَخَلَ إلَيْهَا مُسْلِمٌ فَابْتَاعَ عَقَارًا أَوْ مَالًا، فَظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى مَالِهِ وَعَقَارِهِ لَمْ يَمْلِكُوهُ، وَكَانَ لَهُ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَغْنَمُ الْعَقَارُ، وَأَمَّا غَيْرُهُ، فَمَا كَانَ فِي يَدِهِ أَوْ يَدِ مُسْلِمٍ، لَمْ يُغْنَمْ.

وَاحْتَجَّ بِأَنَّهَا بُقْعَةٌ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ، فَجَازَ اغْتِنَامُهَا، كَمَا لَوْ كَانَتْ لِحَرْبِيٍّ. وَلَنَا، أَنَّهُ مَالُ مُسْلِمٍ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَاتِبَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ.

[فَصْلٌ اسْتَأْجَرَ الْمُسْلِمُ أَرْضًا مِنْ حَرْبِيٍّ ثُمَّ اسْتَوْلَى عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ]

(٧٥٣٩) فَصْلٌ: إذَا اسْتَأْجَرَ الْمُسْلِمُ أَرْضًا مِنْ حَرْبِيٍّ، ثُمَّ اسْتَوْلَى عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ، فَهِيَ غَنِيمَةٌ، وَمَنَافِعُهَا لِلْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مِلْكُ الْمُسْلِمِ. فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ أَجَزْتُمْ اسْتِرْقَاقَ الْكَافِرَةِ الْحَرْبِيَّةِ إذَا كَانَ زَوْجُهَا قَدْ أَسْلَمَ، وَفِي اسْتِرْقَاقِهَا إبْطَالُ حَقِّ زَوْجِهَا؟ قُلْنَا: يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهَا؛ لِأَنَّهَا كَافِرَةٌ، وَلَا أَمَانَ لَهَا، فَجَازَ اسْتِرْقَاقُهَا، كَمَا لَوْ لَمْ تَكُنْ زَوْجَةَ مُسْلِمٍ، وَلَا يَبْطُلُ نِكَاحُهُ، بَلْ هُوَ بَاقٍ، وَلِأَنَّ مَنْفَعَةَ النِّكَاحِ لَا تَجْرِي مَجْرَى الْأَمْوَالِ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَا تُضْمَنُ بِالْيَدِ، وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهَا، بِخِلَافِ حَقِّ الْإِجَارَةِ.

[فَصْل أَسْلَمَ عَبْدُ الْحَرْبِيِّ أَوْ أَمَتُهُ وَخَرَجَ إلَيْنَا]

(٧٥٤٠) فَصْلٌ: إذَا أَسْلَمَ عَبْدُ الْحَرْبِيِّ أَوْ أَمَتُهُ، وَخَرَجَ إلَيْنَا، فَهُوَ حُرٌّ، وَإِنْ أَسَرَ سَيِّدَهُ وَأَوْلَادَهُ، وَأَخَذَ مَالَهُ، وَخَرَجَ إلَيْنَا، فَهُوَ حُرٌّ، وَالْمَالُ لَهُ، وَالسَّبْيُ رَقِيقُهُ. وَإِنْ أَسْلَمَ وَأَقَامَ بِدَارِ الْحَرْبِ، فَهُوَ عَلَى رِقِّهِ. وَإِنْ أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ الْحَرْبِيِّ، وَخَرَجَتْ إلَيْنَا، عَتَقَتْ، وَاسْتَبْرَأَتْ نَفْسَهَا. وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ.

قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَقَالَ بِهِ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ: تُزَوَّجُ إنْ شَاءَتْ مِنْ غَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ. وَأَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى خِلَافِهِ، لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ عَتَقَتْ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ، كَمَا لَوْ كَانَتْ لِذِمِّيٍّ. وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ الْحَجَّاجِ، عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعْتِقُ الْعَبِيدَ إذَا جَاءُوا قَبْلَ مَوَالِيهمْ.

وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْأَعْشَمِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>