للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ الْكَافِر الْحَرْبِيّ إذَا أَسْلَمَ أَوْ دَخَلَ إلَيْنَا بِأَمَانٍ]

(٧٥٤٥) فَصْلٌ: وَلَا أَعْلَمَ خِلَافًا فِي أَنَّ الْكَافِرَ الْحَرْبِيَّ، إذَا أَسْلَمَ، أَوْ دَخَلَ إلَيْنَا بِأَمَانٍ، بَعْدَ أَنْ اسْتَوْلَى عَلَى مَالِ مُسْلِمٍ فَأَتْلَفَهُ، أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ضَمَانُهُ. وَإِنْ أَسْلَمَ وَهُوَ فِي يَدِهِ، فَهُوَ لَهُ، بِغَيْرِ خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ، فَهُوَ لَهُ» . وَإِنْ كَانَ أَخَذَهُ مِنْ الْمُسْتَوْلَى عَلَيْهِ بِهِبَةٍ أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ شِرَاءٍ، فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ فِي حَالِ كُفْرِهِ، فَأَشْبَهَ مَا اسْتَوْلَى عَلَيْهِ بِقَهْرِهِ لِلْمُسْلِمِ. وَعَنْ أَحْمَدَ، أَنَّ صَاحِبَهُ يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ بِالْقِيمَةِ. وَإِنْ اسْتَوْلَى عَلَى جَارِيَةِ مُسْلِمٍ فَاسْتَوْلَدَهَا، ثُمَّ أَسْلَمَ، فَهِيَ لَهُ، وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ، فَأَشْبَهَتْ سَائِرَ الْأَمْوَالِ.

وَإِنْ غَنِمَهَا الْمُسْلِمُونَ وَأَوْلَادَهَا قَبْلَ إسْلَامِ سَابِيهَا، فَعُلِمَ صَاحِبُهَا، رُدَّتْ إلَيْهِ، وَكَانَ أَوْلَادُهَا غَنِيمَةً؛ لِأَنَّهُمْ أَوْلَادُ كَافِرٍ حَدَثُوا بَعْدَ مِلْكِ الْكَافِرِ لَهَا.

[فَصْلٌ أَبَقَ عَبْدُ الْمُسْلِمِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ]

(٧٥٤٦) فَصْلٌ: وَإِنْ اسْتَوْلَوْا عَلَى حُرٍّ، لَمْ يَمْلِكُوهُ، سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا. لَا أَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ، وَلَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ يَدٌ بِحَالٍ، وَكُلُّ مَا يَضْمَنُ بِالْقِيمَةِ يَمْلِكُونَهُ بِالْقَهْرِ، كَالْعُرُوضِ، وَالْعَبْدِ الْقِنِّ، وَالْمُدَبَّرِ، وَالْمَكَاتِبِ، وَأُمِّ الْوَلَدِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَمْلِكُونَ الْمَكَاتِبَ وَأُمَّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَجُوزُ نَقْلُ الْمِلْكِ فِيهِمَا، فَهُمَا كَالْحُرِّ. وَلَنَا، أَنَّهُمَا يَضْمَنَانِ بِالْقِيمَةِ، فَيَمْلِكُونَهُمَا، كَالْعَبْدِ الْقِنِّ.

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَمْلِكُوا الْمَكَاتِبَ دُونَ أُمِّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ لَا يَجُوزُ نَقْلُ الْمِلْكِ فِيهَا، وَلَا يَثْبُتُ فِيهَا لِغَيْرِ سَيِّدِهَا. وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ؛ أَنَّ مَنْ قَالَ بِثُبُوتِ الْمِلْكِ فِيهِمَا، قَالَ: مَتَى قُسِمَا، أَوْ اشْتَرَاهُمَا إنْسَانٌ، لَمْ يَكُنْ لِسَيِّدِهِمَا أَخْذُهُمَا إلَّا بِالثَّمَنِ. قَالَ الزُّهْرِيُّ، فِي أُمِّ الْوَلَدِ: يَأْخُذُهَا سَيِّدُهَا بِقِيمَةِ عَدْلٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: يَفْدِيهَا الْإِمَامُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، يَأْخُذُهَا سَيِّدُهَا بِقِيمَةِ عَدْلٍ، وَلَا يَدَعُهَا يَسْتَحِلُّ فَرْجَهَا مَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ.

وَمَنْ قَالَ: لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهِمَا. رُدَّا إلَى مَا كَانَا عَلَيْهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، كَالْحُرِّ، وَإِنْ اشْتَرَاهُمَا إنْسَانٌ، فَالْحُكْمُ فِيهِمَا كَالْحُكْمِ فِي الْحُرِّ إذَا اشْتَرَاهُ.

(٧٥٤٧) فَصْلٌ: إذَا أَبَقَ عَبْدُ الْمُسْلِمِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ، فَأَخَذُوهُ، مَلَكُوهُ كَالْمَالِ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَمْلِكُونَهُ. وَعَنْ أَحْمَدَ مِثْلُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا صَارَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، زَالَتْ يَدُ مَوْلَاهُ عَنْهُ، وَصَارَ فِي يَدِ نَفْسِهِ، فَلَمْ يُمْلَكْ، كَالْحُرِّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>