للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ الْقَاضِي: إذَا وَقَعَ الشَّرْطُ مُطْلَقًا لَمْ يَلْزَمْهُمْ الشَّعِيرُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَلْزَمَهُمْ ذَلِكَ لِلْخَيْلِ، لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِهِ، فَهُوَ كَالْخُبْزِ لِلرَّجُلِ.

وَلِلْمُسْلِمِينَ النُّزُولُ فِي الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ، فَإِنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَالَحَ أَهْلَ الشَّامِ عَلَى أَنْ يُوَسِّعُوا أَبْوَابَ بِيَعِهِمْ وَكَنَائِسِهِمْ لِمَنْ يَجْتَازُ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، لِيَدْخُلُوهَا رُكْبَانًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدُوا مَكَانًا، فَلَهُمْ النُّزُولُ فِي الْأَفْنِيَةِ وَفُضُولِ الْمَنَازِلِ، وَلَيْسَ لَهُمْ تَحْوِيلُ صَاحِبِ الْمَنْزِلِ مِنْهُ. وَالسَّابِقُ إلَى مَنْزِلٍ أَحَقُّ بِهِ مِمَّنْ يَأْتِي بَعْدَهُ فَإِنْ امْتَنَعَ بَعْضُهُمْ مِنْ الْقِيَامِ بِمَا شُرِطَ، أُجْبِرَ عَلَيْهِ، فَإِنْ امْتَنَعَ الْجَمِيعُ، أُجْبِرُوا، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إلَّا بِالْمُقَاتَلَةِ، قُوتِلُوا، فَإِنْ قَاتَلُوا فَقَدْ نَقَضُوا الْعَهْدَ.

(٧٦٥٤) فَصْلٌ: وَتُقْسَمُ الضِّيَافَةُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ جِزْيَتِهِمْ فَإِنْ جَعَلَ الضِّيَافَةَ مَكَانَ الْجِزْيَةِ، جَازَ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَتَبَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لِرَاهِبٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ: إنَّنِي إنْ وَلِيت هَذِهِ الْأَرْضَ، أَسْقَطْت عَنْك خَرَاجَك. فَلَمَّا قَدِمَ الْجَابِيَةَ وَهُوَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ جَاءَهُ بِكِتَابِهِ، فَعَرَفَهُ، وَقَالَ: إنَّنِي جَعَلْت لَك مَا لَيْسَ لِي، وَلَكِنْ اخْتَرْ، إنْ شِئْت أَدَاءَ الْخَرَاجِ، وَإِنْ شِئْت أَنْ تُضِيفَ الْمُسْلِمِينَ، فَاخْتَارَ الضِّيَافَةَ وَيُشْتَرَطُ عَلَيْهِ ضِيَافَةٌ يَبْلُغُ قَدْرُهَا أَقَلَّ الْجِزْيَةِ، إذَا قُلْنَا: الْجِزْيَةُ مُقَدَّرَةُ الْأَقَلِّ. لِئَلَّا يَنْقُصَ خَرَاجُهُ عَنْ أَقَلِّ الْجِزْيَةِ.

وَذُكِرَ أَنَّ مِنْ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ اشْتِرَاطَ الِاكْتِفَاءِ بِضِيَافَتِهِمْ عَنْ جِزْيَتِهِمْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِقِتَالِهِمْ مَمْدُودًا إلَى إعْطَاءِ الْجِزْيَةِ، فَإِنْ لَمْ يُعْطِهَا، كَانَ قِتَالُهُمْ مُبَاحًا، وَوَجْهُ الْأَوَّلِ اشْتِرَاطُ مَالٍ، يَبْلُغُ قَدْرَ الْجِزْيَةِ، فَجَازَ، كَمَا لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِمْ عَدْلَ الْجِزْيَةِ مَغَافِرَ.

[فَصْلٌ شَرَطَ فِي عَقْدِ الذِّمَّةِ شَرْطًا فَاسِدًا]

(٧٦٥٥) فَصْلٌ: وَإِذَا شَرَطَ فِي عَقْدِ الذِّمَّةِ شَرْطًا فَاسِدًا مِثْلَ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِمْ، أَوْ إظْهَارَ الْمُنْكَرِ، أَوْ إسْكَانَهُمْ الْحِجَازَ، أَوْ إدْخَالَهُمْ الْحَرَمَ، وَنَحْوَ هَذَا، فَقَالَ الْقَاضِي: يَفْسُدُ الْعَقْدُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ فِعْلَ مُحَرَّمٍ، فَأَفْسَدَ الْعَقْدَ، كَمَا لَوْ شَرَطَ قِتَالَ الْمُسْلِمِينَ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَفْسُدَ الشَّرْطُ وَحْدَهُ، وَيَصِحُّ الْعَقْدُ، بِنَاءً عَلَى الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي الْبَيْعِ وَالْمُضَارَبَةِ.

[مَسْأَلَةٌ لَا جِزْيَةَ عَلَى صَبِيٍّ وَلَا زَائِلِ الْعَقْلِ وَلَا امْرَأَةٍ]

(٧٦٥٦) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَلَا جِزْيَةَ عَلَى صَبِيٍّ، وَلَا زَائِلِ الْعَقْلِ، وَلَا امْرَأَةٍ) لَا نَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا فِي هَذَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ أَصْحَابُهُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَلَا أَعْلَمُ عَنْ غَيْرِهِمْ خِلَافَهُمْ وَقَدْ دَلَّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَتَبَ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ، أَنْ اضْرِبُوا الْجِزْيَةَ، وَلَا تَضْرِبُوهَا عَلَى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، وَلَا تَضْرِبُوهَا إلَّا عَلَى مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ الْمَوَاسِي رَوَاهُ سَعِيدٌ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَالْأَثْرَمُ وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُعَاذٍ: «خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى غَيْرِ بَالِغٍ، وَلِأَنَّ الدِّيَةَ تُؤْخَذُ لِحَقْنِ الدَّمِ، وَهَؤُلَاءِ دِمَاؤُهُمْ مَحْقُونَةٌ بِدُونِهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>