للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحُكْمِ مُعَلَّلًا. ثُمَّ إنَّ حَدِيثَ أَبِي ثَعْلَبَةَ مَحْمُولٌ عَلَى جَارِحَةٍ ثَبَتَ تَعْلِيمُهَا؛ لِقَوْلِهِ: " إذَا أَرْسَلْت كَلْبَك الْمُعَلَّمَ ". وَلَا يَثْبُتُ التَّعْلِيمُ حَتَّى يَتْرُكَ الْأَكْلَ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ الِانْزِجَارَ بِالزَّجْرِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ بِإِرْسَالِهِ عَلَى الصَّيْدِ، أَوْ رُؤْيَتِهِ، أَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا يَنْزَجِرُ بِحَالٍ.

الشَّرْطُ الْخَامِسُ، أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْ الصَّيْدِ فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ، لَمْ يُبَحْ، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَسُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ، وَأَبُو بُرْدَةَ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَالضَّحَّاكُ، وَقَتَادَةُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَأَبُو ثَوْرٍ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُبَاحُ.

وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَسَلْمَانَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ. حَكَاهُ عَنْهُمْ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ. وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ، كَالْمَذْهَبَيْنِ. وَاحْتَجَّ مَنْ أَبَاحَهُ بِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: ٤] .

وَحَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ، وَلِأَنَّهُ صَيْدٌ جَارِحٌ مُعَلَّمٌ، فَأُبِيحَ، كَمَا لَوْ لَمْ يَأْكُلْ. فَإِنَّ الْأَكْلَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِفَرْطِ جُوعٍ أَوْ غَيْظٍ عَلَى الصَّيْدِ. وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ: «إذَا أَرْسَلْت كَلْبَك الْمُعَلَّمَ، وَذَكَرْت اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى، فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكَ عَلَيْك. قُلْت: وَإِنْ قَتَلَ؟ قَالَ: وَإِنْ قَتَلَ، إلَّا أَنْ يَأْكُلَ الْكَلْبُ فَإِنْ أَكَلَ، فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونُ إنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَلِأَنَّ مَا كَانَ شَرْطًا فِي الصَّيْدِ الْأَوَّلِ، كَانَ شَرْطًا فِي سَائِرِ صُيُودِهِ، كَالْإِرْسَالِ وَالتَّعْلِيمِ. وَأَمَّا الْآيَةُ فَلَا تَتَنَاوَلُ هَذَا الصَّيْدَ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: ٤] . وَهَذَا إنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ، فَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ: يَخْتَلِفُونَ عَنْ هُشَيْمٍ فِيهِ. وَعَلَى أَنَّ حَدِيثَنَا أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ أَضْبَطُ، وَلَفْظُهُ أَبْيَنُ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْحُكْمَ وَالْعِلَّةَ.

قَالَ أَحْمَدُ: حَدِيثُ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيٍّ، مِنْ أَصَحِّ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالشَّعْبِيُّ يَقُولُ: كَانَ جَارِي وَرَبِيطِي، فَحَدَّثَنِي. وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَكَلَ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ قَتَلَهُ وَانْصَرَفَ عَنْهُ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِذًا لَا يَحْرُمُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ صَيُودِهِ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَحْرُمُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُعَلَّمًا مَا أَكَلَ

وَلَنَا، عُمُومُ الْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ، وَإِنَّمَا خُصَّ مِنْهُ مَا أَكَلَ مِنْهُ، فَفِيمَا عَدَاهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ بِالْعُمُومِ، وَلِأَنَّ اجْتِمَاعَ شُرُوطِ التَّعْلِيمِ حَاصِلَةٌ، فَوَجَبَ الْحُكْمُ بِهِ، وَلِهَذَا حَكَمْنَا بِحِلِّ صَيْدِهِ، فَإِذَا وُجِدَ الْأَكْلُ، احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ لِنِسْيَانٍ، أَوْ لِفَرْطِ جُوعِهِ، أَوْ نَسِيَ التَّعْلِيمَ، فَلَا يُتْرَكُ مَا ثَبَتَ يَقِينًا بِالِاحْتِمَالِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>