للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{فَاصْطَادُوا} [المائدة: ٢] . وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَمَا صِدْت بِقَوْسِك، وَذَكَرْت اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَكُلْ» . وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُ «كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَأَى حِمَارًا وَحْشِيًّا، فَاسْتَوَى عَلَى فَرَسِهِ، وَأَخَذَ رُمْحَهُ، ثُمَّ شَدَّ عَلَى الْحِمَارِ فَقَتَلَهُ، فَلَمَّا أَدْرَكُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: إنَّمَا هِيَ طُعْمَةٌ أَطْعَمَكُمُوهَا اللَّهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَيُعْتَبَرُ فِيهِ مِنْ الشُّرُوطِ مَا ذَكَرْنَا فِي الْجَارِحِ، إلَّا التَّعْلِيمَ. وَتُعْتَبَرُ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ إرْسَالِ السَّهْمِ وَالطَّعْنِ إنْ كَانَ بِرُمْحٍ وَالضَّرْبِ إنْ كَانَ مِمَّا يُضْرَبُ؛ لِأَنَّهُ الْفِعْلُ الصَّادِرُ مِنْهُ. وَإِنْ تَقَدَّمَتْ التَّسْمِيَةُ بِزَمَنٍ يَسِيرٍ، جَازَ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي النِّيَّةِ فِي الْعِبَادَاتِ. وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَقْصِدَ الصَّيْدَ، فَلَوْ رَمَى هَدَفًا فَأَصَابَ صَيْدًا، أَوْ قَصَدَ رَمْيَ إنْسَانٍ أَوْ حَجَرٍ، أَوْ رَمَى عَبَثًا غَيْرَ قَاصِدٍ صَيْدًا فَقَتَلَهُ، لَمْ يَحِلَّ.

وَإِنْ قَصَدَ صَيْدًا، فَأَصَابَهُ وَغَيْرَهُ، حَلَّا جَمِيعًا، وَالْجَارِحُ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ السَّهْمِ. نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى هَذِهِ الْمَسَائِلِ. وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، إلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ: إذَا أَرْسَلَ الْكَلْبَ عَلَى صَيْدٍ، فَأَخَذَ آخَرَ فِي طَرِيقِهِ، حَلَّ، وَإِنْ عَدَلَ عَنْ طَرِيقِهِ إلَيْهِ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ. وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ بِعَيْنِهِ، فَأَخَذَ غَيْرَهُ، لَمْ يُبَحْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ صَيْدَهُ، إلَّا أَنْ يُرْسِلَهُ عَلَى صُيُودٍ كِبَارٍ، فَتَتَفَرَّقَ عَنْ صِغَارٍ، فَإِنَّهَا تُبَاحُ إذَا أَخَذَهَا.

وَلَنَا، عُمُومُ قَوْله تَعَالَى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: ٤] . وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذَا أَرْسَلْت كَلْبَك، وَذَكَرْت اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكَ عَلَيْك» . وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلْ مَا رَدَّتْ عَلَيْك قَوْسُك» . وَلِأَنَّهُ أَرْسَلَ آلَةَ الصَّيْدِ عَلَى صَيْدٍ، فَحَلَّ مَا صَادَهُ، كَمَا لَوْ أَرْسَلَهَا عَلَى كِبَارٍ فَتَفَرَّقَتْ عَنْ صِغَارٍ فَأَخَذَهَا، عَلَى مَالِكٍ، أَوْ كَمَا لَوْ أَخَذَ صَيْدًا فِي طَرِيقِهِ، عَلَى الشَّافِعِيِّ.

وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَعْلِيمُ الْجَارِحِ اصْطِيَادَ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ دُونَ وَاحِدٍ، فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ، فَأَمَّا إنْ أَرْسَلَ سَهْمَهُ أَوْ الْجَارِحَ، وَلَا يَرَى صَيْدًا، وَلَا يَعْلَمُهُ، فَصَادَ، لَمْ يَحِلَّ صَيْدُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ صَيْدًا، لِأَنَّ الْقَصْدَ لَا يَتَحَقَّقُ لِمَا لَا يَعْلَمُهُ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْكَلْبِ. وَقَالَ الْحَسَنُ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ: يَأْكُلُهُ؛ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَالْخَبَرِ، وَلِأَنَّهُ قَصَدَ الصَّيْدَ، فَحَلَّ لَهُ مَا صَادَهُ، كَمَا لَوْ رَآهُ. وَلَنَا، أَنَّ قَصْدَ الصَّيْدِ شَرْطٌ، وَلَا يَصِحُّ الْقَصْدُ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَقْصِدْ الصَّيْدَ.

[فَصْلٌ رَأَى سَوَادًا أَوْ سَمِعَ حِسًّا فَظَنَّهُ آدَمِيًّا أَوْ بَهِيمَةً أَوْ حَجَرًا فَرَمَاهُ فَقَتَلَهُ فَإِذَا هُوَ صَيْدٌ]

(٧٧٢٠) فَصْلٌ وَإِنْ رَأَى سَوَادًا، أَوْ سَمِعَ حِسًّا، فَظَنَّهُ آدَمِيًّا، أَوْ بَهِيمَةً، أَوْ حَجَرًا، فَرَمَاهُ فَقَتَلَهُ، فَإِذَا هُوَ صَيْدٌ، لَمْ يُبَحْ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُبَاحُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُبَاحُ إنْ كَانَ الْمُرْسَلُ سَهْمًا، وَلَا يُبَاحُ إنْ كَانَ جَارِحًا. وَاحْتَجَّ مَنْ أَبَاحَهُ بِعُمُومِ الْآيَةِ وَالْخَبَرِ، وَلِأَنَّهُ قَصَدَ الِاصْطِيَادَ، وَسَمَّى فَأَشْبَهَ مَا لَوْ عَلِمَهُ صَيْدًا

<<  <  ج: ص:  >  >>