للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إشَارَتَهُ تَقُومُ مَقَامَ نُطْقِ النَّاطِقِ، وَإِشَارَتُهُ إلَى السَّمَاءِ تَدُلُّ عَلَى قَصْدِهِ تَسْمِيَةَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ.

وَنَحْوِ هَذَا قَالَ الشَّعْبِيُّ. وَقَدْ دَلَّ عَلَى هَذَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِجَارِيَةٍ أَعْجَمِيَّةٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ عَلَيَّ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً، أَفَأُعْتِقُ هَذِهِ؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَيْنَ اللَّهُ؟ . فَأَشَارَتْ إلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: مَنْ أَنَا؟ . فَأَشَارَتْ بِإِصْبَعِهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِلَى السَّمَاءِ، أَيْ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَعْتِقْهَا، فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ» . رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالْقَاضِي الْبِرْتِيُّ، فِي " مُسْنَدَيْهِمَا ".

فَحَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِيمَانِهَا بِإِشَارَتِهَا إلَى السَّمَاءِ، تُرِيدُ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ فِيهَا، فَأَوْلَى أَنْ يُكْتَفَى بِذَلِكَ عَلَمًا عَلَى التَّسْمِيَةِ. وَلَوْ أَنَّهُ أَشَارَ إشَارَةً تَدُلُّ عَلَى التَّسْمِيَةِ، وَعُلِمَ ذَلِكَ، كَانَ كَافِيًا.

[مَسْأَلَةٌ كَانَ جُنُبًا جَازَ أَنْ يُسَمِّيَ وَيَذْبَحَ]

(٧٧٧٨) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِنْ كَانَ جُنُبًا، جَازَ أَنْ يُسَمِّيَ وَيَذْبَحَ) وَذَلِكَ أَنَّ الْجُنُبَ تَجُوزُ لَهُ التَّسْمِيَةُ، وَلَا يُمْنَعُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ الْقُرْآنِ، لَا مِنْ الذِّكْرِ، وَلِهَذَا تُشْرَعُ لَهُ التَّسْمِيَةُ عِنْد اغْتِسَالِهِ، وَلَيْسَتْ الْجَنَابَةُ أَعْظَمَ مِنْ الْكُفْرِ، وَالْكَافِرُ يُسَمِّي وَيَذْبَحُ، وَمِمَّنْ رَخَّصَ فِي ذَبْحِ الْجُنُبِ الْحَسَنُ، وَالْحَكَمُ، وَاللَّيْثُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.

قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ. وَتُبَاحُ ذَبِيحَةُ الْحَائِضِ؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْجُنُبِ.

[فَصْلٌ تَحْرِيم الْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَأَكِيلَةُ السَّبْعِ وَمَا أَصَابَهَا مَرَضٌ فَمَاتَتْ بِهِ]

(٧٧٧٩) فَصْلٌ: وَالْمُنْخَنِقَةُ، وَالْمَوْقُوذَةُ، وَالْمُتَرَدِّيَةُ، وَالنَّطِيحَةُ، وَأَكِيلَةُ السَّبُعِ، وَمَا أَصَابَهَا مَرَضٌ فَمَاتَتْ بِهِ، مُحَرَّمَةٌ، إلَّا أَنْ تُدْرَكْ ذَكَاتُهَا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: ٣] . وَفِي حَدِيثِ جَارِيَةِ كَعْبٍ «، أَنَّهَا أُصِيبَتْ شَاةٌ مِنْ غَنَمِهَا، فَأَدْرَكَتْهَا، فَذَبَحَتْهَا بِحَجَرٍ، فَسَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: كُلُوهَا» . فَإِنْ كَانَتْ لَمْ يَبْقَ مِنْ حَيَاتِهَا إلَّا مِثْلُ حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ، لَمْ تُبَحْ بِالذَّكَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ذَبَحَ مَا ذَبَحَهُ الْمَجُوسِيُّ، لَمْ يُبَحْ، وَإِنْ أَدْرَكَهَا وَفِيهَا حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ ذَبْحُهَا، حَلَّتْ؛ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَالْخَبَرِ.

وَسَوَاءٌ كَانَتْ قَدْ انْتَهَتْ إلَى حَالٍ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَعِيشُ مَعَهُ أَوْ تَعِيشُ؛ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَالْخَبَرِ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسْأَلْ، وَلَمْ يَسْتَفْصِلْ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، فِي ذِئْبٍ عَدَا عَلَى شَاةٍ، فَعَقَرَهَا، فَوَقَعَ قَصَبُهَا بِالْأَرْضِ، فَأَدْرَكَهَا، فَذَبَحَهَا بِحَجَرٍ، قَالَ: يُلْقِي مَا أَصَابَ الْأَرْضَ، وَيَأْكُلُ سَائِرَهَا.

وَقَالَ أَحْمَدُ فِي بَهِيمَةٍ عَقَرَتْ بَهِيمَةً، حَتَّى تَبَيَّنَ فِيهَا آثَارُ الْمَوْتِ، إلَّا أَنَّ فِيهَا الرُّوحَ. يَعْنِي فَذُبِحَتْ. فَقَالَ: إذَا مَصَعَتْ بِذَنَبِهَا، وَطَرَفَتْ بِعَيْنِهَا، وَسَالَ الدَّمُ، فَأَرْجُو إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

<<  <  ج: ص:  >  >>