للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: ١٥٧] . وَاَلَّذِينَ تُعْتَبَرُ اسْتِطَابَتُهُمْ وَاسْتِخْبَاثُهُمْ هُمْ أَهْلُ الْحِجَازِ، مِنْ أَهْلِ الْأَمْصَارِ؛ لِأَنَّهُمْ الَّذِينَ نَزَلَ عَلَيْهِمْ الْكِتَابُ، وَخُوطِبُوا بِهِ وَبِالسُّنَّةِ، فَرُجِعَ فِي مُطْلَقِ أَلْفَاظِهِمَا إلَى عُرْفِهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَلَمْ يُعْتَبَرْ أَهْلُ الْبَوَادِي؛ لِأَنَّهُمْ لِلضَّرُورَةِ وَالْمَجَاعَةِ يَأْكُلُونَ مَا وَجَدُوا، وَلِهَذَا سُئِلَ بَعْضُهُمْ عَمَّا يَأْكُلُونَ؟ فَقَالَ: مَا دَبَّ وَدَرَجَ، إلَّا أُمَّ حُبَيْنٍ. فَقَالَ: لِتَهْنَ أُمَّ حُبَيْنٍ الْعَافِيَةُ. وَمَا وُجِدَ فِي أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ، مِمَّا لَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْحِجَازِ، رُدَّ إلَى أَقْرَبِ مَا يُشْبِهُهُ فِي الْحِجَازِ، فَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ شَيْئًا مِنْهَا، فَهُوَ مُبَاحٌ؛ لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام: ١٤٥] .

الْآيَةَ، وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَمَا سَكَتَ اللَّهُ عَنْهُ، فَهُوَ مِمَّا عَفَا عَنْهُ» . إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَمِنْ الْمُسْتَخْبَثَاتِ الْحَشَرَاتُ، كَالدِّيدَانِ، وَالْجُعَلَانِ، وَبَنَاتِ وَرْدَانَ، وَالْخَنَافِسِ، وَالْفَأْرِ، وَالْأَوْزَاغِ، وَالْحِرْبَاءِ، وَالْعَضَاةِ، وَالْجَرَاذِينَ، وَالْعَقَارِبِ، وَالْحَيَّاتِ.

وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ. وَرَخَّصَ مَالِكٌ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالْأَوْزَاعِيُّ، فِي هَذَا كُلِّهِ، إلَّا الْأَوْزَاغَ، فَإِنَّ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ: هُوَ مُجْمَعٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ: الْحَيَّةُ حَلَالٌ إذَا ذُكِّيَتْ. وَاحْتَجُّوا بِعُمُومِ الْآيَةِ الْمُبِيحَةِ.

وَلَنَا، قَوْله تَعَالَى {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: ١٥٧] وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خَمْسٌ فَوَاسِقُ، يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ؛ الْعَقْرَبُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْغُرَابُ، وَالْحِدَأَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ» . وَفِي حَدِيثٍ: " الْحَيَّةُ " مَكَانَ: " الْفَأْرَةِ ". وَلَوْ كَانَتْ مِنْ الصَّيْدِ الْمُبَاحِ، لَمْ يُبَحْ قَتْلُهَا، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: ٩٥] .

وَقَالَ: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: ٩٦] . وَلِأَنَّهَا مُسْتَخْبَثَةٌ، فَحُرِّمَتْ، كَالْوَزَغِ أَوْ مَأْمُورٌ بِقَتْلِهَا، فَأَشْبَهَتْ الْوَزَغَ.

[فَصْلٌ حُكْمُ أَكْلِ الْقُنْفُذِ]

(٧٧٨١) فَصْلٌ: وَالْقُنْفُذُ حَرَامٌ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: هُوَ حَرَامٌ. وَكَرِهَهُ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ. وَرَخَّصَ فِيهِ الشَّافِعِيُّ، وَاللَّيْثُ، وَأَبُو ثَوْرٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>