للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَكَرِهَ أَبُو حَنِيفَةَ لُحُومَهَا، وَالْعَمَلَ عَلَيْهَا حَتَّى تُحْبَسَ.

وَرَخَّصَ الْحَسَنُ فِي لُحُومِهَا وَأَلْبَانِهَا؛ لِأَنَّ الْحَيَوَانَاتِ لَا تَنْجُسُ بِأَكْلِ النَّجَاسَاتِ، بِدَلِيلِ أَنَّ شَارِبَ الْخَمْرِ لَا يُحْكَمُ بِتَنْجِيسِ أَعْضَائِهِ، وَالْكَافِرَ الَّذِي يَأْكُلُ الْخِنْزِيرَ وَالْمُحَرَّمَاتِ، لَا يَكُونُ ظَاهِرُهُ نَجِسًا، وَلَوْ نَجُسَ لَمَا طَهُرَ بِالْإِسْلَامِ، وَلَا الِاغْتِسَالِ، وَلَوْ نَجُسَتْ الْجَلَّالَة، لَمَا طَهُرَتْ بِالْحَبْسِ.

وَلَنَا، مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَكْلِ الْجَلَّالَةِ وَأَلْبَانِهَا.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْإِبِلِ الْجَلَّالَةِ، أَنْ يُؤْكَلَ لَحْمُهَا، وَلَا يُحْمَلَ عَلَيْهَا إلَّا الْأُدْمُ، وَلَا يَرْكَبَهَا النَّاسُ حَتَّى تُعْلَفَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً.» رَوَاهُ الْخَلَّالُ بِإِسْنَادِهِ.

وَلِأَنَّ لَحْمَهَا يَتَوَلَّدُ، مِنْ النَّجَاسَةِ، فَيَكُونُ نَجِسًا، كَرَمَادِ النَّجَاسَةِ. وَأَمَّا شَارِبُ الْخَمْرِ، فَلَيْسَ ذَلِكَ أَكْثَرَ غِذَائِهِ، وَإِنَّمَا يَتَغَذَّى الطَّاهِرَاتِ، وَكَذَلِكَ الْكَافِرُ فِي الْغَالِبِ.

(٧٨٠١) فَصْلٌ: وَتَزُولُ الْكَرَاهَةُ بِحَبْسِهَا اتِّفَاقًا. وَاخْتُلِفَ فِي قَدْرِهِ، فَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ؛ أَنَّهَا تُحْبَسُ ثَلَاثًا، سَوَاءٌ كَانَتْ طَائِرًا أَوْ بَهِيمَةً. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا أَرَادَ أَكْلَهَا حَبَسَهَا ثَلَاثًا.

وَهَذَا قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ، لِأَنَّ مَا طَهَّرَ حَيَوَانًا طَهَّرَ الْآخَرَ، كَاَلَّذِي نَجُسَ ظَاهِرُهُ. وَالْأُخْرَى، تُحْبَسُ الدَّجَاجَةُ ثَلَاثًا، وَالْبَعِيرُ وَالْبَقَرَةُ وَنَحْوُهُمَا يُحْبَسُ أَرْبَعِينَ. وَهَذَا قَوْلُ عَطَاءٍ، فِي النَّاقَةِ وَالْبَقَرَةِ؛ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، لِأَنَّهُمَا أَعْظَمُ جِسْمًا، وَبَقَاءُ عَلَفِهِمَا فِيهِمَا أَكْثَرُ مِنْ بَقَائِهِ فِي الدَّجَاجَةِ وَالْحَيَوَانِ الصَّغِيرِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(٧٨٠٢) فَصْلٌ: وَيُكْرَهُ رُكُوبُ الْجَلَّالَةِ. وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ، وَابْنِهِ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ؛ لِحَدِيثِ «عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ رُكُوبِهَا» . وَلِأَنَّهَا رُبَّمَا عَرِقَتْ، فَتَلَوَّثَ بِعَرَقِهَا.

[فَصْلٌ حُكْم الزُّرُوع وَالثِّمَار الَّتِي سُقِيَتْ بِالنَّجَاسَاتِ أَوْ سُمِّدَتْ بِهَا]

(٧٨٠٣) فَصْلٌ: وَتَحْرُمُ الزُّرُوعُ وَالثِّمَارُ الَّتِي سُقِيَتْ بِالنَّجَاسَاتِ، أَوْ سُمِّدَتْ بِهَا. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَحْتَمِلُ أَنْ يُكْرَهَ ذَلِكَ، وَلَا يَحْرُمَ. وَلَا يُحْكَمُ بِتَنْجِيسِهَا، لِأَنَّ النَّجَاسَةَ تَسْتَحِيلُ فِي بَاطِنِهَا، فَتُطَهَّرُ بِالِاسْتِحَالَةِ، كَالدَّمِ يَسْتَحِيلُ فِي أَعْضَاءِ الْحَيَوَانِ لَحْمًا، وَيَصِيرُ لَبَنًا. وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ؛ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَكَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ يَدْمُلُ أَرْضَهُ بِالْعُرَّةِ، وَيَقُولُ: مِكْتَلُ عُرَّةٍ مِكْتَلُ بُرٍّ. وَالْعُرَّةُ: عَذِرَةُ النَّاسِ.

وَلَنَا، مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنَّا نُكْرِي أَرَاضِيَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَشْتَرِطُ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَدْمُلُوهَا بِعَذِرَةِ النَّاسِ. وَلِأَنَّهَا تَتَغَذَّى بِالنَّجَاسَاتِ، وَتَتَرَقَّى فِيهَا أَجْزَاؤُهَا، وَالِاسْتِحَالَةُ لَا تُطَهِّرُ. فَعَلَى هَذَا تَطْهُرُ إذَا سُقِيَتْ الطَّاهِرَاتِ، كَالْجَلَّالَةِ إذَا حُبِسَتْ وَأُطْعِمَتْ الطَّاهِرَاتِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>