للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَبِيعُ مَا شَاءَ مِنْهَا، وَيَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ يَبِيعُ الْجِلْدَ، وَيَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ. وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ. وَلَنَا، أَمْرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَسْمِ جُلُودِهَا وَجِلَالِهَا، وَنَهْيُهُ أَنْ يُعْطَى الْجَازِرُ شَيْئًا مِنْهَا.

وَلِأَنَّهُ جَعَلَهُ لِلَّهِ - تَعَالَى، فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ، كَالْوَقْفِ، وَمَا ذَكَرُوهُ فِي شِرَاءِ آلَةِ الْبَيْتِ، يَبْطُلُ بِاللَّحْمِ، لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِآلَةِ الْبَيْتِ وَإِنْ كَانَ يَنْتَفِعُ بِهِ، فَأَمَّا جَوَازُ الِانْتِفَاعِ بِجُلُودِهَا وَجِلَالِهَا، فَلَا خِلَافَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا، فَجَازَ لِلْمُضَحِّي الِانْتِفَاعُ بِهِ، كَاللَّحْمِ، وَكَانَ عَلْقَمَةُ وَمَسْرُوقٌ يَدْبُغَانِ جِلْدَ أُضْحِيَّتِهِمَا، وَيُصَلِّيَانِ عَلَيْهِ. وَرَوَتْ عَائِشَةُ، قَالَتْ: «قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ كَانُوا يَنْتَفِعُونَ مِنْ ضَحَايَاهُمْ، يُجَمِّلُونَ مِنْهَا الْوَدَكَ، وَيَتَّخِذُونَ مِنْهَا الْأَسْقِيَةَ. قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَتْ: نَهَيْت عَنْ إمْسَاكِ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ فَوْق ثَلَاثٍ. قَالَ: إنَّمَا نَهَيْتُكُمْ لِلدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ، فَكُلُوا، وَتَزَوَّدُوا، وَتَصَدَّقُوا.» حَدِيثٌ صَحِيحٌ، رَوَاهُ مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَلِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِهِ، فَجَازَ كَلَحْمِهَا.

[مَسْأَلَةٌ يَجُوزَ أَنْ يُبْدِلَ الْأُضْحِيَّةَ إذَا أَوْجَبَهَا بِخَيْرِ مِنْهَا]

(٧٨٨٢) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ وَيَجُوزَ أَنْ يُبَدِّلَ الْأُضْحِيَّةَ إذَا أَوْجَبَهَا بِخَيْرٍ مِنْهَا هَذَا الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ. وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَمَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا، وَلَا إبْدَالُهَا؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ نَصَّ فِي الْهَدْيِ إذَا عَطِبَ، أَنَّهُ يُجْزِئُ عَنْهُ، وَفِي الْأُضْحِيَّةِ إذَا هَلَكَتْ، أَوْ ذَبَحَهَا فَسُرِقَتْ، لَا بَدَلَ عَلَيْهِ. وَلَوْ كَانَ مِلْكَهُ مَازَالَ عَنْهَا، لَزِمَهُ بَدَلُهَا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ. وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ جَعَلَهَا لِلَّهِ تَعَالَى فَلَمْ يَمْلِكْ التَّصَرُّفَ فِيهَا بِالْبَيْعِ وَالْإِبْدَالِ، كَالْوَقْفِ.

وَلَنَا، مَا رُوِيَ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَاقَ مِائَةَ بَدَنَةٍ فِي حِجَّتِهِ، وَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنْ الْيَمَنِ، فَأَشْرَكَهُ فِيهَا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَهَذَا نَوْعٌ مِنْ الْهِبَةِ أَوْ بَيْعٌ، وَلِأَنَّهُ عَدَلَ عَنْ عَيْنٍ وَجَبَتْ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى إلَى خَيْرٍ مِنْهَا مِنْ جِنْسِهَا، فَجَازَ، كَمَا لَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِنْتُ لَبُونٍ، فَأَخْرَجَ حِقَّةً فِي الزَّكَاةِ، فَأَمَّا بَيْعُهَا، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهَا، وَيَشْتَرِيَ خَيْرًا مِنْهَا، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ حَدِيثِ بُدْنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِشْرَاكِهِ فِيهَا، وَلِأَنَّ مِلْكَهُ لَمْ يَزُلْ عَنْهَا، بِدَلِيلِ جَوَازِ إبْدَالِهَا، وَلِأَنَّهَا عَيْنٌ يَجُوزُ إبْدَالُهَا، فَجَازَ بَيْعُهَا كَمَا قَبْلَ إيجَابِهَا. وَلَنَا، أَنَّهُ جَعَلَهَا لِلَّهِ تَعَالَى، فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا، كَالْوَقْفِ، وَإِنَّمَا جَازَ إبْدَالُهَا بِجِنْسِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَزُلْ الْحَقُّ فِيهَا عَنْ جِنْسِهَا، وَإِنَّمَا انْتَقَلَ إلَى خَيْرٍ مِنْهَا، فَكَأَنَّهُ فِي الْمَعْنَى ضَمُّ زِيَادَةٍ إلَيْهَا، وَقَدْ جَازَ إبْدَالُ الْمُصْحَفِ، وَلَمْ يَجُزْ

<<  <  ج: ص:  >  >>