للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ الْعَصْرِ ثُمَّ الظُّهْرِ ثُمَّ الْعَصْرِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ أَدَاءُ فَرْضِهِ بِيَقِينٍ، فَلَزِمَهُ كَمَا لَوْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ يَوْمٍ لَا يَعْلَمُ عَيْنَهَا، وَقَدْ نَقَلَ أَبُو دَاوُد، عَنْ أَحْمَدَ، فِي رَجُلٍ فَرَّطَ فِي صَلَاةِ يَوْمٍ الْعَصْرَ، وَيَوْمٍ الظُّهْرَ، صَلَوَاتٍ لَا يَعْرِفُهَا قَالَ: يُعِيدُ حَتَّى لَا يَكُونَ فِي قَلْبِهِ شَيْءٌ. وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يَقْضِي حَتَّى يَتَيَقَّنَ بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ. وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ

[فَصْلٌ تَرْكِ التَّرْتِيبِ بِالْجَهْلِ بِوُجُوبِهِ]

(٨٤٩) فَصْلٌ: وَلَا يُعْذَرُ فِي تَرْكِ التَّرْتِيبِ بِالْجَهْلِ بِوُجُوبِهِ، وَقَالَ زُفَرُ: يُعْذَرُ بِذَلِكَ. وَلَنَا أَنَّهُ تَرْتِيبٌ وَاجِبٌ فِي الصَّلَاةِ، فَلَمْ يَسْقُطُ بِالْجَهْلِ كَالتَّرْتِيبِ فِي الْمَجْمُوعَتَيْنِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَلِأَنَّ الْجَهْلَ بِأَحْكَامِ الشَّرْعِ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْعِلْمِ لَا يُسْقِطُ أَحْكَامَهَا كَالْجَهْلِ بِتَحْرِيمِ الْأَكْلِ فِي الصَّوْمِ.

[فَصْلٌ إذَا كَثُرَتْ الْفَوَائِتُ عَلَيْهِ يَتَشَاغَلُ بِالْقَضَاءِ]

(٨٥٠) فَصْلٌ: إذَا كَثُرَتْ الْفَوَائِتُ عَلَيْهِ يَتَشَاغَلُ بِالْقَضَاءِ، مَا لَمْ يَلْحَقْهُ مَشَقَّةٌ فِي بَدَنِهِ أَوْ مَالِهِ، أَمَّا فِي بَدَنِهِ فَأَنْ يَضْعُفَ أَوْ يَخَافَ الْمَرَضَ، وَأَمَّا فِي الْمَالِ فَأَنْ يَنْقَطِعَ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ، بِحَيْثُ يَنْقَطِعُ عَنْ مَعَاشِهِ، أَوْ يُسْتَضَرُّ بِذَلِكَ. وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى مَعْنَى هَذَا. فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ قَدْرَ مَا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ حَتَّى يَتَيَقَّنَ بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ. قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ، فِي الرَّجُلِ يُضَيِّعُ الصَّلَاةَ: يُعِيدُ حَتَّى لَا يَشُكَّ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ بِمَا قَدْ ضَيَّعَ. وَيَقْتَصِرُ عَلَى قَضَاءِ الْفَرَائِضِ، وَلَا يُصَلِّي بَيْنَهَا نَوَافِلَ، وَلَا سُنَنَهَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاتَتْهُ أَرْبَعُ صَلَوَاتٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ فَصَلَّى الْعِشَاءَ. وَلَمْ يُذْكَرْ أَنَّهُ صَلَّى بَيْنَهُمَا سُنَّةً، وَلِأَنَّ الْمَفْرُوضَةَ أَهَمُّ، فَالِاشْتِغَالُ بِهَا أَوْلَى، إلَّا أَنْ تَكُونَ الصَّلَوَاتُ يَسِيرَةً، فَلَا بَأْسَ بِقَضَاءِ سُنَنِهَا الرَّوَاتِبِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْفَجْرِ، فَقَضَى سُنَّتَهَا قَبْلَهَا.

فَصْلٌ: وَإِنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ يَوْمٍ، لَا يَعْلَمُ عَيْنَهَا، أَعَادَ صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّعْيِينَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ، وَلَا يَتَوَصَّلُ إلَى ذَلِكَ هَاهُنَا إلَّا بِإِعَادَةِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فَلَزِمَهُ.

[فَصْلٌ نَامَ فِي مَنْزِل فِي السَّفَر فَاسْتَيْقَظَ بَعْد خُرُوج وَقْت الصَّلَاة]

(٨٥١) فَصْلٌ: وَإِذَا نَامَ فِي مَنْزِلٍ فِي السَّفَرِ، فَاسْتَيْقَظَ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِ الصَّلَاةِ، فَالْمُسْتَحَبُّ. لَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْ ذَلِكَ الْمَنْزِلِ، فَيُصَلِّيَ فِي غَيْرِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ؛ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: «عَرَّسْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ نَسْتَيْقِظْ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لِيَأْخُذْ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِرَأْسِ رَاحِلَتِهِ، فَإِنَّ هَذَا مَنْزِلٌ حَضَرَ فِيهِ الشَّيْطَانُ. قَالَ فَفَعَلْنَا. ثُمَّ دَعَا بِالْمَاءِ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَصَلَّى الْغَدَاةَ» . وَرَوَى نَحْوَهُ أَبُو قَتَادَةَ، وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْضِيَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قَبْلَ الْفَرِيضَةِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْحَدِيثِ.

فَإِنْ أَرَادَ التَّطَوُّعَ بِصَلَاةٍ أُخْرَى، كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ حُكْمُ الصَّوْمِ، لَا يَتَطَوَّعُ بِهِ وَعَلَيْهِ فَرِيضَةٌ، فَإِنْ فَعَلَ صَحَّ تَطَوُّعُهُ؛ بِدَلِيلِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي الَّذِي يَنْسَى فَرِيضَةً فَلَا يَذْكُرُهَا إلَّا وَرَاءَ الْإِمَامِ، فَإِنَّهُ يُتَمِّمُهَا، فَحُكِمَ لَهُ بِصِحَّتِهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>