للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقُرَّحَ فِي الْغَايَةِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَسَبَّقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الْمُضَمَّرَةِ مِنْ الْحَفْيَاءِ إلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ، وَذَلِكَ سِتَّةُ أَمْيَالٌ أَوْ سَبْعَةٌ، وَبَيْنَ الَّتِي لَمْ تُضَمَّرْ مِنْ الثَّنِيَّةِ إلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ، وَذَلِكَ مِيلٌ أَوْ نَحْوُهُ.

فَإِنْ اسْتَبَقَا بِغَيْرِ غَايَةٍ، لِيُنْظَر أَيُّهُمَا يَقِفُ أَوَّلًا، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ لَا يَقِفَ أَحَدُهُمَا حَتَّى يَنْقَطِعَ فَرَسُهُ، وَيَتَعَذَّرَ الْإِشْهَادُ عَلَى السَّبْقِ فِيهِ. وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُسَابَقَةِ إرْسَالُ الْفَرَسَيْنِ أَوْ الْبَعِيرَيْنِ دَفْعَةً وَاحِدَةً، فَإِنْ أَرْسَلَ أَحَدَهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ، لِيُعْلَمَ هَلْ يُدْرِكُهُ الْآخَرُ أَوْ لَا لَمْ يَجُزْ هَذَا فِي الْمُسَابَقَةِ بِعِوَضٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يُدْرِكُهُ مَعَ كَوْنِهِ أَسْرَعَ مِنْهُ، لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ بَيْنَهُمَا. وَيَكُونُ عِنْد أَوَّلِ الْمَسَافَةِ مَنْ يُشَاهِدُ إرْسَالَهُمَا، وَيُرَتِّبُهُمَا، وَعِنْدَ الْغَايَةِ مَنْ يَضْبِطُ السَّابِقَ مِنْهُمَا؛ لِئَلَّا يَخْتَلِفَا فِي ذَلِكَ.

وَيَحْصُلُ السَّبَقُ فِي الْخَيْلِ بِالرَّأْسِ إذَا تَمَاثَلَتْ الْأَعْنَاقُ، فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي طُولِ الْعُنُقِ، أَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْإِبِلِ، اُعْتُبِرَ السَّبَقُ بِالْكَتِفِ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالرَّأْسِ مُتَعَذِّرٌ، فَإِنَّ طَوِيلَ الْعُنُقِ قَدْ يَسْبِقُ رَأْسَهُ لِطُولِ عُنُقِهِ، لَا لِسُرْعَةِ عَدْوِهِ. وَفِي الْإِبِلِ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ، وَفِيهَا مَا يَمُدُّ عُنُقَهُ، فَرُبَّمَا سَبَقَ رَأْسُهُ لِمَدِّ عُنُقِهِ، لَا لِسَبْقِهِ، فَلِذَلِكَ اعْتَبَرْنَا الْكَتِفَ، فَإِنْ سَبَقَ رَأْسُ قَصِيرِ الْعُنُقِ فَهُوَ سَابِقٌ؛ لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ ذَلِكَ كَوْنَهُ سَابِقًا، وَإِنْ سَبَقَ طَوِيلُ الْعُنُقِ بِأَكْثَرَ مِمَّا بَيْنَهُمَا فِي طُولِ الْعُنُقِ، فَقَدْ سَبَقَ، وَإِنْ كَانَ بِقَدْرِهِ لَمْ يَسْبِقْهُ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ، فَالْآخَرُ السَّابِقُ. وَنَحْوُ هَذَا كُلُّهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: إذَا سَبَقَ أَحَدُهُمَا بِالْأُذُنِ كَانَ سَابِقًا. وَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا قَدْ يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيَمُدُّ الْآخَرُ عُنُقَهُ، فَيَكُونُ سَابِقًا بِأُذُنِهِ لِذَلِكَ لَا لِسَبْقِهِ. وَإِنْ شَرَطَا السَّبْقَ بِأَقْدَامٍ مَعْلُومَةٍ، كَثَلَاثَةٍ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلِّ، لَمْ يَصِحّ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: يَصِحُّ، وَيَتَخَاطَّانِ ذَلِكَ، كَمَا فِي الرَّمْيِ. وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يَنْضَبِطُ، وَلَا يَقِفُ الْفَرَسَانِ عَنَدَ الْغَايَةِ، بِحَيْثُ يُعْرَفُ مِسَاحَةُ مَا بَيْنَهُمَا.

وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِعَلِيٍّ قَدْ جَعَلْت لَك هَذِهِ السَّبْقَةَ بَيْنَ النَّاسِ» . فَخَرَجَ عَلِيٌّ فَدَعَا سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكٍ، فَقَالَ: يَا سُرَاقَةُ، إنِّي قَدْ جَعَلْت إلَيْك مَا جَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عُنُقِي مِنْ هَذِهِ السَّبْقَةِ فِي عُنُقِك، فَإِذَا أَتَيْت الْمِيطَانَ - قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمِيطَانُ مُرْسِلُهَا مِنْ الْغَايَةِ - فَصُفَّ الْخَيْلَ، ثُمَّ نَادِ: هَلْ مِنْ مُصْلِحٍ لَلِجَامٍ، أَوْ حَامِلٍ لِغُلَامٍ، أَوْ طَارِحٍ لِجَلٍّ. فَإِذَا لَمْ يُجِبْك أَحَدٌ، فَكَبِّرْ ثَلَاثًا، ثُمَّ خَلِّهَا عِنْدَ الثَّالِثَةِ، فَيُسْعِدُ اللَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>