للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَخْطَأَهَا الْآخَرُ كُلَّهَا، لَمْ يَلْزَمْ إتْمَامُ الرَّشْقِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا يُحْتَمَلُ أَنْ يُصِيبَ الْآخَرُ الثَّمَانِيَ الْبَاقِيَةَ، يَحُطُّهَا الْأَوَّلُ، وَلَا يَخْرُجُ الْأَوَّلُ بِهَذَا عَنْ كَوْنِهِ سَابِقًا.

وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ إنَّمَا أَصَابَ مِنْ الِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ عَشْرًا، لَزِمَهُمَا أَنْ يَرْمِيَا الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ، فَإِنْ أَصَابَاهَا، أَوْ أَخْطَآ، أَوْ أَصَابَهَا الْأَوَّلُ وَحْدَهُ. فَقَدْ سَبَقَ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إتْمَامِ الرَّشْقِ، فَإِنْ أَصَابَهَا الْآخَرُ، وَأَخْطَأَهَا الْأَوَّلُ، فَعَلَيْهِمَا أَنْ يَرْمِيَا الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ، وَالْحَكَمُ فِيهَا وَفِيمَا بَعْدَهَا كَالْحُكْمِ فِي الثَّالِثَةِ عَشْرَةَ، وَأَنَّهُ مَتَى أَصَابَاهَا، أَوْ أَخْطَآ، أَوْ أَصَابَهَا الْأَوَّلُ، فَقَدْ سَبَقَ، وَلَا يَرْمِيَانِ مَا بَعْدَهَا. وَإِنْ أَصَابَهَا الْآخَرُ وَحْدَهُ، رَمَيَا مَا بَعْدَهَا.

وَهَكَذَا كُلُّ مَوْضِعٍ كَانَ فِي إتْمَامِ، الرَّشْقِ فَائِدَةٌ لِأَحَدِهِمَا لَزِمَ إتْمَامُهُ، وَإِنْ يَئِسَ مِنْ الْفَائِدَةِ، لَمْ يَلْزَمْ إتْمَامُهُ، فَإِذَا بَقِيَ مِنْ الْعَدَدِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَسْبِقَ أَحَدُهُمَا بِهِ صَاحِبَهُ، أَوْ يُسْقِطَ أَحَدُهُمَا بِهِ سَبْقَ صَاحِبِهِ، لَزِمَ الْإِتْمَامُ، وَإِلَّا فَلَا، فَإِذَا كَانَ السَّبْقُ يَحْصُلُ بِثَلَاثِ إصَابَاتٍ مِنْ عِشْرِينَ، فَرَمَيَا ثَمَانِي عَشْرَةَ، فَأَخْطَآهَا، أَوْ أَصَابَاهَا، أَوْ تَسَاوَيَا فِي الْإِصَابَةِ فِيهَا، لَمْ يَلْزَمْ إتْمَامُ الرَّشْقِ لِأَنَّ؛ أَكْثَرَ مَا يُحْتَمَلُ أَنْ يُصِيبَ أَحَدُهُمَا هَاتَيْنِ الرَّمْيَتَيْنِ، وَيُخْطِئَهُمَا الْآخَرُ، وَلَا يَحْصُلُ السَّبْقُ بِذَلِكَ.

وَكَذَلِكَ إنْ فَضَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِخَمْسِ إصَابَاتٍ فَمَا زَادَ، لَمْ يَلْزَمْ الْإِتْمَامُ؛ لِأَنَّ إصَابَةَ الْآخَرِ بِالسَّهْمَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ لَا يُخْرِجُ الْآخَرَ عَنْ كَوْنِهِ فَاضِلًا بِثَلَاثِ إصَابَاتٍ، وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْهُ إلَّا بِأَرْبَعٍ، رَمَيَا السَّهْمَ الْآخَرَ، فَإِنْ أَصَابَهُ الْمَفْضُولُ وَحْدَهُ، فَعَلَيْهِمَا رَمْيُ الْآخَرِ فَإِنْ أَصَابَهُ الْمَفْضُولُ أَيْضًا، سَقَطَ سَبْقُ الْأَوَّلِ، وَإِنْ أَخْطَآ فِي أَحَدِ السَّهْمَيْنِ، أَوْ أَصَابَ الْأَوَّلُ فِي أَحَدِهِمَا، فَهُوَ سَابِقٌ.

فَصْلٌ: الثَّالِثُ أَنْ يَقُولَا: أَيُّنَا أَصَابَ خَمْسًا مِنْ عِشْرِينَ، فَهُوَ سَابِقٌ. فَمَتَى أَصَابَ أَحَدُهُمَا خَمْسًا مِنْ الْعِشْرِينَ، وَلَمْ يُصِبْهَا الْآخَرُ، فَالْأَوَّلُ سَابِقٌ، وَإِنْ أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسًا، أَوْ لَمْ يُصِبْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا خَمْسًا، فَلَا سَابِقَ فِيهِمَا. وَهَذِهِ فِي مَعْنَى الْمُحَاطَّةِ، فِي أَنَّهُ يَلْزَمُ إتْمَامُ الرَّشْقِ مَا كَانَ فِي إِتْمَامِهِ فَائِدَة، فَإِذَا خَلَا عَنْ الْفَائِدَةِ، لَمْ يَلْزَمْ إتْمَامُهُ. وَمَتَى أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسًا، لَمْ يَلْزَمْ إتْمَامُهُ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمَا سَابِقٌ. إنْ رَمَيَا سِتَّ عَشْرَةَ رَمْيَةً، وَلَمْ يُصِبْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا شَيْئًا، لَمْ يَلْزَمْ إتْمَامُهُ، وَلَا سَابِقَ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا يُحْتَمَلُ أَنْ يُصِيبَ أَحَدُهُمَا الْأَرْبَعَةَ كُلَّهَا، وَلَا يَحْصُلُ السَّبْقُ بِذَلِكَ.

وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا، فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الرَّمْيِ، هَلْ هُوَ مُبَادَرَةٌ أَوْ مُحَاطَّةٌ أَوْ مُفَاضَلَةٌ؟ لِأَنَّ غَرَضَ الرُّمَاةِ يَخْتَلِفُ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ تَكْثُرُ إصَابَتُهُ فِي الِابْتِدَاءِ دُونَ الِانْتِهَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ بِالْعَكْسِ، فَوَجَبَ بَيَانُ ذَلِكَ، لِيُعْلَمَ مَا دَخَلَ فِيهِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي، أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إلَى اشْتِرَاطِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى النِّضَالِ الْمُبَادَرَةُ، وَأَنَّ مَنْ بَادَرَ إلَى الْإِصَابَةِ فَهُوَ السَّابِقُ؛ فَإِنَّهُ إذَا شُرِطَ أَنَّ السَّبْقَ لِمَنْ أَصَابَ خَمْسَةً مِنْ عِشْرِينَ، فَسَبَقَ إلَيْهَا وَاحِدٌ، فَقَدْ وُجِدَ الشَّرْطُ. وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَجْهَانِ، كَهَذَيْنِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>