للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ، يَعْنِي اللَّغْوَ فِي الْيَمِينِ: «هُوَ كَلَامُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ، لَا وَاَللَّهِ. وَبَلَى وَاَللَّهِ» . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. قَالَ: وَرَوَاهُ الزُّهْرِيُّ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَمَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَائِشَةَ، مَوْقُوفًا.

وَرَوَى الزُّهْرِيُّ، أَنَّ عُرْوَةَ حَدَّثَهُ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ، أَيْمَانُ اللَّغْوِ، مَا كَانَ فِي الْمِرَاءِ، وَالْهَزْلِ، وَالْمُزَاحَةِ، وَالْحَدِيثِ الَّذِي لَا يُعْقَدُ عَلَيْهِ الْقَلْبُ، وَأَيْمَانُ الْكَفَّارَةِ كُلُّ يَمِينٍ حَلَفَ عَلَيْهَا عَلَى وَجْهٍ مِنْ الْأَمْرِ، فِي غَضَبٍ أَوْ غَيْرِهِ، لَيَفْعَلَنَّ، أَوْ لَيَتْرُكَنَّ، فَذَلِكَ عَقْدُ الْأَيْمَانِ الَّتِي فَرَضَ اللَّهُ - تَعَالَى - فِيهَا الْكَفَّارَةَ. وَلِأَنَّ اللَّغْوَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْكَلَامُ غَيْرُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ. وَهَذَا كَذَلِكَ.

وَمِمَّنْ قَالَ: لَا كَفَّارَةَ فِي هَذَا؛ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَأَبُو مَالِكٍ، وَزُرَارَةُ بْنُ أَوْفَى، وَالْحَسَنُ، وَالنَّخَعِيُّ، وَمَالِكٌ. وَهُوَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّهُ مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ. وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا.

وَوَجْهُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة: ٨٩] . فَجَعَلَ الْكَفَّارَةَ لِلْيَمِينِ الَّتِي يُؤَاخَذُ بِهَا، وَنَفَى الْمُؤَاخَذَةَ بِاللَّغْوِ، فَيَلْزَمُ انْتِفَاءُ الْكَفَّارَةِ، وَلِأَنَّ الْمُؤَاخَذَةَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهَا إيجَابَ الْكَفَّارَةِ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا تَجِبُ فِي الْأَيْمَانِ الَّتِي لَا مَأْثَمَ فِيهَا، وَإِذَا كَانَتْ الْمُؤَاخَذَةُ إيجَابَ الْكَفَّارَةِ، فَقَدْ نَفَاهَا فِي اللَّغْوِ، فَلَا تَجِبُ، وَلِأَنَّهُ قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ نَعْرِفْ لَهُمْ مُخَالِفًا فِي عَصْرِهِمْ، فَكَانَ إجْمَاعًا، وَلِأَنَّ قَوْلَ عَائِشَةَ فِي تَفْسِيرِ اللَّغْوِ، وَبَيَانِ الْأَيْمَانِ الَّتِي فِيهَا الْكَفَّارَةُ، خَرَجَ مِنْهَا تَفْسِيرًا لِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَفْسِيرُ الصَّحَابِيِّ مَقْبُولٌ.

[مَسْأَلَةٌ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ يَظُنُّهُ كَمَا حَلَفَ]

(٧٩٥٢) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَنْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ يَظُنُّهُ كَمَا حَلَفَ، فَلَمْ يَكُنْ، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ) أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْيَمِينَ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا. قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ. يُرْوَى هَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي مَالِكٍ، وَزُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، وَالْحَسَنِ، وَالنَّخَعِيِّ، وَمَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيِّ.

وَمِمَّنْ قَالَ: هَذَا لَغْوُ الْيَمِينِ. مُجَاهِدٌ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ. وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ لَغْوَ الْيَمِينِ لَا كَفَّارَةَ فِيهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى هَذَا. وَقَدْ حُكِيَ عَنْ النَّخَعِيِّ فِي الْيَمِينِ عَلَى شَيْءٍ يَظُنُّهُ حَقًّا، فَيَتَبَيَّنُ بِخِلَافِهِ، أَنَّهُ مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ، وَفِيهِ الْكَفَّارَةُ. وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّ فِيهِ الْكَفَّارَةَ، وَلَيْسَ مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - وُجِدَتْ مَعَ الْمُخَالَفَةِ، فَأَوْجَبَتْ الْكَفَّارَةَ، كَالْيَمِينِ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ. وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة: ٢٢٥] . وَهَذِهِ مِنْهُ، وَلِأَنَّهَا يَمِينٌ غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ، فَلَمْ تَجِبْ فِيهَا كَفَّارَةٌ، كَيَمِينِ الْغَمُوسِ، وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِلْمُخَالَفَةِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ حَنِثَ نَاسِيًا.

وَفِي الْجُمْلَةِ، لَا كَفَّارَةَ فِي يَمِينٍ عَلَى مَاضٍ؛ لِأَنَّهَا تَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ؛ مَا هُوَ صَادِقٌ فِيهِ، فَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ إجْمَاعًا. وَمَا تَعَمَّدَ الْكَذِبَ فِيهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>