للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّهِ - تَعَالَى؛ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ يَمِينًا، كَمَا لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ. وَإِنْ قَالَ: اللَّهُ لَأَفْعَلَنَّ. بِالرَّفْعِ، وَنَوَى الْيَمِينَ، فَهِيَ يَمِينٌ، لَكِنَّهُ قَدْ لَحَنَ، فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ: وَاَللَّهُ. بِالرَّفْعِ. وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْيَمِينَ، فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّ قَرِينَةَ الْجَوَابِ بِجَوَابِ الْقَسَمِ كَافِيَةٌ، وَالْعَامِّيُّ لَا يَعْرِفُ الْإِعْرَابَ فَيَأْتِي بِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونُ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، فَإِنَّ عُدُولَهُ عَنْ إعْرَابِ الْقَسَمِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْهُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ قَسَمًا فِي حَقِّ الْعَامِّيِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَسَمٍ فِي حَقِّ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، فَلَمْ يَكُنْ قَسَمًا فِي غَيْرِهِمْ، كَمَا لَوْ لَمْ يُجِبْهُ بِجَوَابِ الْقَسَمِ.

[فَصْلٌ مَا يُجَابُ الْقَسَمُ]

(٧٩٦٠) فَصْلٌ وَيُجَابُ الْقَسَمُ بِأَرْبَعَةِ أَحْرُفٍ؛ حَرْفَانِ لِلنَّفْيِ، وَهُمَا " مَا " وَ " لَا "، وَحَرْفَانِ لِلْإِثْبَاتِ، وَهُمَا " إنَّ " وَ " اللَّامُ " الْمَفْتُوحَةُ. وَتَقُومُ " إنْ " الْمَكْسُورَةُ، مَقَامَ " مَا " النَّافِيَةِ، مِثْلَ قَوْلِهِ: {وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلا الْحُسْنَى} [التوبة: ١٠٧] . وَإِنْ قَالَ: وَاَللَّهِ أَفْعَلُ. بِغَيْرِ حَرْفٍ، فَالْمَحْذُوفُ هَاهُنَا " لَا "، وَتَكُونُ يَمِينُهُ عَلَى النَّفْيِ؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَهُ فِي الْعَرَبِيَّةِ كَذَلِكَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} [يوسف: ٨٥] أَيْ لَا تَفْتَأُ. وَقَالَ الشَّاعِرُ:

تَاللَّهِ يَبْقَى عَلَى الْأَيَّامِ ذُو حَيَدٍ

وَقَالَ آخَرُ:

فَقُلْت يَمِينَ اللَّهِ أَبْرَحُ قَاعِدًا

أَيْ: لَا أَبْرَحُ.

[فَصْلٌ قَالَ لَاهَا اللَّهِ وَنَوَى الْيَمِينَ]

(٧٩٦١) فَصْلٌ: فَإِنْ قَالَ: لَاهَا اللَّهِ. وَنَوَى الْيَمِينَ. فَهُوَ يَمِينٌ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ فِي سَلَبَ قَتِيلِ أَبِي قَتَادَةَ: لَاهَا اللَّهِ، إذَا تَعَمَّدَ إلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ، يُقَاتِلُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَيُعْطِيك سَلَبَهُ؟ «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: صَدَقَ. وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْيَمِينَ» ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ عُرْفٌ وَلَا نِيَّةٌ، وَلَا فِي جَوَابِهِ حَرْفٌ يَدُلُّ عَلَى الْقَسَمِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

[مَسْأَلَةٌ الْحَلِفَ بِالْقُرْآنِ أَوْ بِآيَةِ مِنْهُ أَوْ بِكَلَامِ اللَّهِ]

(٧٩٦٢) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (أَوْ بِآيَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْحَلِفَ بِالْقُرْآنِ، أَوْ بِآيَةٍ مِنْهُ، أَوْ بِكَلَامِ اللَّهِ، يَمِينٌ مُنْعَقِدَةٌ، تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ فِيهَا. وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَعَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: لَيْسَ بِيَمِينٍ، وَلَا تَجِبُ بِهِ كَفَّارَةٌ، فَمِنْهُمْ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مَخْلُوقٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يُعْهَدُ الْيَمِينُ بِهِ.

وَلَنَا، أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ، وَصِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ، فَتَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ: وَجَلَالِ اللَّهِ، وَعَظَمَتِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>