للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنَا، أَنَّ أَمَانَةَ اللَّهِ صِفَةٌ لَهُ، بِدَلِيلِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ حَلَفَ بِهَا إذَا نَوَى، وَيَجِبُ حَمْلُهَا عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، لِوُجُوهٍ؛ أَحَدُهَا، أَنَّ حَمْلَهَا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ صَرْفٌ لِيَمِينِ الْمُسْلِمِ إلَى الْمَعْصِيَةِ، أَوْ الْمَكْرُوهِ؛ لِكَوْنِهِ قَسَمًا بِمَخْلُوقٍ، وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ خِلَافُهُ.

وَالثَّانِي، أَنَّ الْقَسَمَ فِي الْعَادَةِ يَكُونُ بِالْمُعَظَّمِ الْمُحْتَرَمِ دُونَ غَيْرِهِ، وَصِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى أَعْظَمُ حُرْمَةً وَقَدْرًا. وَالثَّالِثُ، أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالْوَدَائِعِ لَمْ يُعْهَدْ الْقَسَمُ بِهَا، وَلَا يُسْتَحْسَنُ ذَلِكَ لَوْ صُرِّحَ بِهِ، فَكَذَلِكَ لَا يُقْسَمُ بِمَا هُوَ عِبَارَةٌ عَنْهُ.

الرَّابِعُ، أَنَّ أَمَانَةَ اللَّهِ الْمُضَافَةَ إلَيْهِ، هِيَ صِفَتُهُ، وَغَيْرُهَا يُذْكَرُ غَيْرَ مُضَافٍ إلَيْهِ، كَمَا ذُكِرَ فِي الْآيَاتِ وَالْخَبَرِ. الْخَامِسُ، أَنَّ اللَّفْظَ عَامٌ فِي كُلِّ أَمَانَةِ اللَّهِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْجِنْسِ إذَا أُضِيفَ إلَى مَعْرِفَةٍ، أَفَادَ الِاسْتِغْرَاقَ، فَيَدْخُلُ فِيهِ أَمَانَةُ اللَّهِ الَّتِي هِيَ صِفَتُهُ، فَتَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِهَا مُوجِبَةً لِلْكَفَّارَةِ، كَمَا لَوْ نَوَاهَا.

[فَصْلٌ نَوَى الْحَلِفَ بِأَمَانَةِ اللَّهِ]

(٧٩٧٥) فَصْلٌ: فَإِنْ قَالَ: وَالْأَمَانَةِ لَا فَعَلْت. وَنَوَى الْحَلِفَ بِأَمَانَةِ اللَّهِ، فَهُوَ يَمِينٌ مُكَفَّرَةٌ مُوجِبَةٌ لِلْكَفَّارَةِ. وَإِنْ أَطْلَقَ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ؛ إحْدَاهُمَا؛ يَكُونُ يَمِينًا؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْوُجُوهِ.

وَالثَّانِيَةُ، لَا يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُضِفْهَا إلَى اللَّهِ - تَعَالَى، فَيَحْتَمِلُ غَيْرَ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: وَالْعَهْدِ، وَالْمِيثَاقِ، وَالْجَبَرُوتِ، وَالْعَظَمَةِ، وَالْأَمَانَاتِ. فَإِنْ نَوَى يَمِينًا كَانَ يَمِينًا، وَإِلَّا فَلَا. وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي الْأَمَانَةِ رِوَايَتَيْنِ، فَيَخْرُجُ فِي سَائِرِ مَا ذَكَرُوهُ وَجْهَانِ، قِيَاسًا عَلَيْهَا.

[فَصْلٌ الْحَلِفُ بِأَمَانَةِ اللَّهِ]

(٧٩٧٦) فَصْلٌ: وَيُكْرَهُ الْحَلِفُ بِالْأَمَانَةِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ حَلَفَ بِالْأَمَانَةِ، فَلَيْسَ مِنَّا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَرُوِيَ عَنْ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ: أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ عِنْدَهُ بِالْأَمَانَةِ، فَجَعَلَ يَبْكِي بُكَاءً شَدِيدًا، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: هَلْ كَانَ هَذَا يُكْرَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، كَانَ عُمَرُ يَنْهَى عَنْ الْحَلِفِ بِالْأَمَانَةِ أَشَدَّ النَّهْيِ.

[فَصْل تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِالْحَلِفِ بِمَخْلُوقِ كَالْكَعْبَةِ]

(٧٩٧٧) فَصْلٌ: وَلَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِالْحَلِفِ بِمَخْلُوقٍ؛ كَالْكَعْبَةِ، وَالْأَنْبِيَاءِ، وَسَائِرِ الْمَخْلُوقَاتِ، وَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ فِيهَا. هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: الْحَلِفُ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمِينٌ مُوجِبَةٌ لِلْكَفَّارَةِ. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: إذَا حَلَفَ بِحَقِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَنِثَ، فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ.

قَالَ أَصْحَابُنَا: لِأَنَّهُ أَحَدُ شَرْطَيْ الشَّهَادَةِ، فَالْحَلِفُ بِهِ مُوجِبٌ لِلْكَفَّارَةِ، كَالْحَلِفِ بِاسْمِ اللَّهِ - تَعَالَى. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ كَانَ حَالِفًا، فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ، أَوْ لِيَصْمُتْ» . وَلِأَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>