للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنَا، مَا رَوَى أَبُو مُوسَى، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ، فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» . وَرَوَى بُرَيْدَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ، فَكَأَنَّمَا غَمَسَ يَدَهُ فِي لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَدَمِهِ» . رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد. وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ إذَا مَرَّ عَلَى أَصْحَابِ النَّرْدَشِيرِ، لَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهِمْ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَمَنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ اللَّعِبُ بِهِ، لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ، سَوَاءٌ لَعِبَ بِهِ قِمَارًا أَوْ غَيْرَ قِمَارٍ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. قَالَ مَالِكٌ: مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ، فَلَا أَرَى شَهَادَتَهُ طَائِلَةً؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ} [يونس: ٣٢] . وَهَذَا لَيْسَ مِنْ الْحَقِّ، فَيَكُونُ مِنْ الضَّلَالِ.

(٨٣٦٢) فَصْلٌ: فَأَمَّا الشِّطْرَنْجُ فَهُوَ كَالنَّرْدِ فِي التَّحْرِيمِ، إلَّا أَنَّ النَّرْدَ آكَدُ مِنْهُ فِي التَّحْرِيمِ؛ لِوُرُودِ النَّصِّ فِي تَحْرِيمِهِ، لَكِنْ هَذَا فِي مَعْنَاهُ، فَيَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُهُ، قِيَاسًا عَلَيْهِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ مِمَّنْ ذَهَبَ إلَى تَحْرِيمِهِ؛ عَلَيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنَ عُمَرَ، وَابْنَ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ وَالْقَاسِمَ وَسَالِمًا، وَعُرْوَةَ، وَمُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَمَطَرًا الْوَرَّاقَ، وَمَالِكًا. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى إبَاحَتِهِ.

وَحَكَى ذَلِكَ أَصْحَابُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ، وَلَمْ يَرِدْ بِتَحْرِيمِهَا نَصٌّ، وَلَا هِيَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، فَتَبْقَى عَلَى الْإِبَاحَةِ. وَيُفَارِقُ الشِّطْرَنْجُ النَّرْدَ مِنْ وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، أَنَّ فِي الشِّطْرَنْجِ تَدْبِيرَ الْحَرْبِ، فَأَشْبَهَ اللَّعِبَ بِالْحِرَابِ، وَالرَّمْيَ بِالنُّشَّابِ، وَالْمُسَابَقَةَ بِالْخَيْلِ. وَالثَّانِي، أَنَّ الْمُعَوَّلَ فِي النَّرْدِ مَا يُخْرِجُهُ الْكَعْبَتَانِ، فَأَشْبَهَ الْأَزْلَامَ، وَالْمُعَوَّلَ فِي الشِّطْرَنْجِ عَلَى حِذْقِهِ وَتَدْبِيرِهِ، فَأَشْبَهَ الْمُسَابَقَةَ بِالسِّهَامِ. وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة: ٩٠] .

قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الشِّطْرَنْجُ مِنْ الْمَيْسِرِ. وَمَرَّ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى قَوْمٍ يَلْعَبُونَ بِالشِّطْرَنْجِ، فَقَالَ: (مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ) . قَالَ أَحْمَدُ: أَصَحُّ مَا فِي الشِّطْرَنْجِ، قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَرَوَى وَاثِلَةُ بْنُ الْأَسْقَعِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَنْظُرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>