للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ طَهَارَةُ مَوْضِعِ الصَّلَاة]

(٩٥٢) فَصْلٌ: وَطَهَارَةُ مَوْضِعِ الصَّلَاةِ شَرْطٌ أَيْضًا، وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي تَقَعُ عَلَيْهِ أَعْضَاؤُهُ وَتُلَاقِيهِ ثِيَابُهُ الَّتِي عَلَيْهِ، فَلَوْ كَانَ عَلَى رَأْسِهِ طَرَفُ عِمَامَةٍ، وَطَرَفُهَا الْآخَرُ يَسْقُطُ عَلَى نَجَاسَةٍ، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ احْتِمَالًا فِيمَا تَقَعُ عَلَيْهِ ثِيَابُهُ خَاصَّةً، أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ طَهَارَتُهُ؛ لِأَنَّهُ يُبَاشِرُهَا بِمَا هُوَ مُنْفَصِلٌ عَنْ ذَاتِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ صَلَّى إلَى جَانِبِهِ إنْسَانٌ نَجِسُ الثَّوْبِ، فَالْتَصَقَ ثَوْبُهُ بِهِ. وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ لِأَنَّ سُتْرَتَهُ تَابِعَةٌ لَهُ، فَهِيَ كَأَعْضَاءِ سُجُودِهِ.

فَأَمَّا إذَا كَانَ ثَوْبُهُ يَمَسُّ شَيْئًا نَجِسًا، كَثَوْبِ مَنْ يُصَلِّي إلَى جَانِبِهِ، أَوْ حَائِطٍ لَا يَسْتَنِدُ إلَيْهِ، فَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِبَدَنِهِ وَلَا سُتْرَتِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَفْسُدَ؛ لِأَنَّ سُتْرَتَهُ مُلَاقِيَةٌ لِنَجَاسَةِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ وَقَعَتْ عَلَيْهَا. وَإِنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ مُحَاذِيَةً لِجِسْمِهِ فِي حَالِ سُجُودِهِ بِحَيْثُ لَا يَلْتَصِقُ بِهَا شَيْءٌ مِنْ بَدَنِهِ وَلَا أَعْضَائِهِ، لَمْ يَمْنَعْ صِحَّةَ صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ النَّجَاسَةَ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ خَرَجَتْ عَنْ مُحَاذَاتِهِ.

[فَصْلٌ صَلَّى ثُمَّ رَأَى عَلَيْهِ نَجَاسَة فِي بَدَنِهِ أَوْ ثِيَابِهِ]

(٩٥٣) فَصْلٌ: وَإِذَا صَلَّى، ثُمَّ رَأَى عَلَيْهِ نَجَاسَةً فِي بَدَنِهِ أَوْ ثِيَابِهِ، لَا يَعْلَمُ؛ هَلْ كَانَتْ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ لَا؟ فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهَا فِي الصَّلَاةِ. وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا كَانَتْ فِي الصَّلَاةِ، لَكِنْ جَهِلَهَا حَتَّى فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا، لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ. هَذَا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَعَطَاءٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَسَالِمٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيِّ، وَإِسْحَاقَ وَابْنِ الْمُنْذِرِ. وَالثَّانِيَةُ: يُعِيدُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي قِلَابَةَ وَالشَّافِعِيِّ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ مُشْتَرَطَةٌ لِلصَّلَاةِ، فَلَمْ تَسْقُطْ بِجَهْلِهَا، كَطَهَارَةِ الْحَدَثِ. وَقَالَ رَبِيعَةُ وَمَالِكٌ: يُعِيدُ مَا كَانَ فِي الْوَقْتِ، وَلَا يُعِيدُ بَعْدَهُ.

وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى، مَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ، قَالَ: «بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ، إذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ، فَخَلَعَ النَّاسُ نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاتَهُ قَالَ: مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إلْقَائِكُمْ نِعَالَكُمْ؟ . قَالُوا: رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ نَعْلَيْكَ، فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا. قَالَ: إنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَلَوْ كَانَتْ الطَّهَارَةُ شَرْطًا، مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِهَا، لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُ الصَّلَاةِ، وَتُفَارِقُ طَهَارَةَ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّهَا آكَدُ؛ لِأَنَّهَا لَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهَا، وَتَخْتَصُّ الْبَدَنَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ عَلِمَ بِالنَّجَاسَةِ ثُمَّ نَسِيَهَا، وَصَلَّى، فَقَالَ الْقَاضِي: حَكَى أَصْحَابُنَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ رِوَايَتَيْنِ. وَذَكَرَ هُوَ فِي مَسْأَلَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>