للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مَسْأَلَةٌ أُمَّ الْوَلَد تَعْتِقُ مِنْ رَأْسِ مَالِ التَّرِكَة]

(٨٨٦١) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (فَإِذَا مَاتَ، فَقَدْ صَارَتْ حُرَّةً، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ غَيْرَهَا) . يَعْنِي أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ تَعْتِقُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ سِوَاهَا. وَهَذَا قَوْلُ كُلِّ مَنْ رَأَى عِتْقَهُنَّ، لَا نَعْلَمُ بَيْنَهُمْ فِيهِ خِلَافًا. وَسَوَاءٌ وَلَدَتْ فِي الصِّحَّةِ أَوْ الْمَرَضِ؛ لِأَنَّهُ حَاصِلٌ بِالْتِذَاذِهِ وَشَهْوَتِهِ، وَمَا يُتْلِفُهُ فِي لَذَّاتِهِ وَشَهْوَتِهِ، يَسْتَوِي فِيهِ حَالُ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ، كَاَلَّذِي يَأْكُلُهُ وَيَلْبَسُهُ، وَلِأَنَّ عِتْقَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَمَا يَكُونُ بَعْدَ الْمَوْتِ يَسْتَوِي فِيهِ الْمَرَضُ وَالصِّحَّةُ، كَقَضَاءِ الدُّيُونِ، وَالتَّدْبِيرِ، وَالْوَصِيَّةِ. وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا بَيْنَ مَنْ رَأَى عِتْقَهُنَّ. قَالَ سَعِيدٌ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: أَدْرَكَ ابْنَ عُمَرَ رَجُلَانِ، فَقَالَا: إنَّا تَرَكْنَا هَذَا الرَّجُلَ يَبِيعُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ. يَعْنِيَانِ ابْنَ الزُّبَيْرِ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَتَعْرِفَانِ أَبَا حَفْصٍ؟ فَإِنَّهُ قَضَى فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ أَنْ لَا يُبَعْنَ، وَلَا يُوهَبْنَ، يَسْتَمْتِعُ بِهَا صَاحِبُهَا، فَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ.

وَقَالَ: حَدَّثَنَا غِيَاثٌ، عَنْ خُصَيْفٍ عَنْ، عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا مِنْ رَجُلٍ كَانَ يُقِرُّ بِأَنَّهُ يَطَأُ جَارِيَتَهُ، وَيَمُوتُ، إلَّا أَعْتَقَهَا إذَا وَلَدَتْ، وَإِنْ كَانَ سَقْطًا.

[فَصْلٌ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْعِتْقُ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ وَالْعَفِيفُ وَالْفَاجِرُ]

(٨٨٦٢) فَصْلٌ: وَلَا فَرْقَ بَيْن الْمُسْلِمَةِ وَالْكَافِرَةِ، وَالْعَفِيفَةِ وَالْفَاجِرَةِ، وَلَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ، وَالْعَفِيفِ وَالْفَاجِرِ، فِي هَذَا، فِي قَوْلِ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْفَتْوَى مِنْ أَهْلِ الْأَمْصَارِ؛ لِأَنَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْعِتْقُ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ، وَالْعَفِيفُ وَالْفَاجِرُ، كَالتَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ، وَلِأَنَّ عِتْقَهَا بِسَبَبِ اخْتِلَاطِ دَمِهَا بِدَمِهِ وَلَحْمِهَا بِلَحْمِهِ، فَإِذَا اسْتَوَيَا فِي النَّسَبِ، اسْتَوَيَا فِي حُكْمِهِ. وَرَوَى سَعِيدٌ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ الْهَمْدَانِيِّ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ: إنْ أَسْلَمَتْ وَأُحْصِنَتْ وَعَفَّتْ، أُعْتِقَتْ، وَإِنْ كَفَرَتْ وَفَجَرَتْ وَغَدَرَتْ، رَقَّتْ. وَقَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى عَنْ أُمِّ وَلَدِ رَجُلٍ ارْتَدَّتْ عَنْ الْإِسْلَامِ، فَكُتِبَ فِي ذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَتَبَ عُمَرُ: بِيعُوهَا لِيَسْبِيَهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ دِينِهَا.

وَإِذَا كَانَ مَبْنَى عِتْقِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ عَلَى قَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَدْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَخْتَصَّ الْعِتْقُ بِالْمُسْلِمَةِ الْعَفِيفَةِ دُونَ الْكَافِرَةِ الْفَاجِرَةِ؛ لِانْتِفَاءِ الدَّلِيلِ الَّذِي ثَبَتَ بِهِ عِتْقُهُنَّ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَةٌ أُمَّ الْوَلَدِ إذَا وَلَدَتْ بَعْدَ ثُبُوتِ حُكْمِ الِاسْتِيلَادِ لَهَا مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا مِنْ زَوْجٍ أَوْ غَيْرِهِ]

(٨٨٦٣) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِذَا صَارَتْ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ، بِمَا وَصَفْنَا، ثُمَّ وَلَدَتْ مِنْ غَيْرِهِ، كَانَ لَهُ حُكْمُهَا فِي الْعِتْقِ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا) . وَجُمْلَتُهُ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ إذَا وَلَدَتْ بَعْدَ ثُبُوتِ حُكْمِ الِاسْتِيلَادِ لَهَا مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا، مِنْ زَوْجٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَحُكْمُ وَلَدِهَا حُكْمُهَا، فِي أَنَّهُ يَعْتِقُ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا، وَيَجُوزُ فِيهِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ مَا يَجُوزُ فِيهَا، وَيَمْتَنِعُ فِيهِ مَا يَمْتَنِعُ فِيهَا. قَالَ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَغَيْرُهُمَا: وَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا. وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا بَيْنَ الْقَائِلِينَ بِثُبُوتِ حُكْمِ الِاسْتِيلَادِ، إلَّا أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: هُمْ عَبِيدٌ. فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُمْ حُكْمُ أُمِّهِمْ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ مُخْتَصٌّ بِهَا، فَيَخْتَصُّ بِحُكْمِهِ. كَوَلَدِ مَنْ عُلِّقَ عِتْقُهَا بِصِفَةٍ.

وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُمْ عَبِيدٌ، حُكْمُهُمْ حُكْمُ أُمِّهِمْ، مِثْلُ قَوْلِ الْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ أُمَّهُ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ، فَيَتْبَعُهَا فِي سَبَبِهِ إذَا كَانَ مُتَأَكِّدًا، كَوَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ وَالْمُدَبَّرَةِ، بَلْ وَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْعِتْقِ فِيهَا مُسْتَقِرٌّ، وَلَا سَبِيلَ إلَى إبْطَالِهِ بِحَالٍ. فَإِنْ مَاتَتْ أُمُّ الْوَلَدِ قَبْلَ سَيِّدِهَا، لَمْ يَبْطُلْ حُكْمُ الِاسْتِيلَادِ فِي الْوَلَدِ، وَتَعْتِقُ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا؛ لِأَنَّ السَّبَبَ لَمْ يَبْطُلْ، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ الْحُرِّيَّةُ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَبْقَ مَحَلًّا. وَكَذَلِكَ وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ، لَا يَبْطُلُ الْحُكْمُ فِيهِ بِمَوْتِ. أُمِّهِ، وَأَمَّا وَلَدُ الْمُكَاتَبَةِ إذَا مَاتَتْ، فَإِنَّهُ يَعُودُ رَقِيقًا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَبْطُلُ بِمَوْتِهَا، فَلَمْ يَبْقَ حُكْمُهُ فِيهِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي هَذَا خِلَافًا فِيمَا تَقَدَّمَ. وَإِنْ أَعْتَقَ السَّيِّدُ أُمَّ الْوَلَدِ، أَوْ الْمُدَبَّرَةَ، لَمْ يَعْتِقْ وَلَدُهَا، لِأَنَّهَا عَتَقَتْ بِغَيْرِ السَّبَبِ الَّذِي تَبِعَهَا فِيهِ، وَيَبْقَى عِتْقُهُ مَوْقُوفًا عَلَى مَوْتِ سَيِّدِهِ. وَكَذَلِكَ إنْ أَعْتَقَ وَلَدَهُمَا، لَمْ يَعْتِقَا بِعِتْقِهِ.

وَإِنْ أَعْتَقَ الْمُكَاتَبَةَ، فَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ وَسُفْيَانُ وَإِسْحَاقُ: الْمُكَاتَبَةُ إذَا أَدَّتْ أَوْ أُعْتِقَتْ، عَتَقَ وَلَدُهَا، وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةُ إذَا أُعْتِقَتْ، لَمْ يَعْتِقْ وَلَدُهَا حَتَّى يَمُوتَ السَّيِّدُ. فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ وَلَدَ الْمُكَاتَبَةِ يَتْبَعُهَا فِي الْعِتْقِ بِإِعْتَاقِ سَيِّدِهَا؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ مَالِهَا، يَسْتَحِقُّ كَسْبَهُ، فَيَتْبَعُهَا إذَا أَعْتَقَهَا كَمَالِهَا، وَلِأَنَّ إعْتَاقَهَا يَمْنَعُ أَدَاءَهَا بِسَبَبٍ، مِنْ السَّيِّدِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَبْرَأَهَا مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>