للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّهَا أَكْمَلُ مِنْهُ. وَإِنْ جَنَتْ عَلَى عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ، جِنَايَةً فِيهَا الْقِصَاصُ، لَزِمَهَا الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهَا أَمَةٌ، أَحْكَامُهَا أَحْكَامُ الْإِمَاءِ، وَاسْتِحْقَاقُهَا الْعِتْقَ لَا يَمْنَعُ الْقِصَاصَ، كَالْمُدَبَّرَةِ.

[مَسْأَلَةٌ كَيْف تُصَلِّي أُمِّ الْوَلَدِ]

(٨٨٧٩) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِنْ صَلَّتْ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ، كُرِهَ لَهَا ذَلِكَ، وَأَجْزَأَهَا) إنَّمَا كُرِهَ لَهَا كَشْفُ رَأْسِهَا فِي صَلَاتِهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ أَخَذَتْ شَبَهًا مِنْ الْحَرَائِرِ، لِامْتِنَاعِ بَيْعِهَا. وَقَدْ سُئِلَ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ أُمِّ الْوَلَدِ كَيْفَ تُصَلِّي؟ قَالَ: تُغَطِّي رَأْسَهَا وَقَدَمَيْهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُبَاعُ. وَكَانَ الْحَسَنُ يُحِبُّ لِلْأُمَّةِ إذَا عَهِدَهَا سَيِّدُهَا - يَعْنِي وَطِئَهَا - أَنْ لَا تُصَلِّيَ إلَّا مُجْتَمِعَةً. وَإِنْ صَلَّتْ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ، أَجْزَأَهَا؛ لِأَنَّهَا أَمَةٌ، حُكْمُهَا حُكْمُ الْإِمَاءِ.

قَالَ إبْرَاهِيمُ: تُصَلِّي أُمُّ الْوَلَدِ بِغَيْرِ قِنَاعٍ، وَإِنْ كَانَتْ بِنْتَ سِتِّينَ سَنَةً. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّ عَوْرَتَهَا عَوْرَةُ الْحُرَّةِ. وَذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْإِمَاءِ، وَإِنَّمَا خَالَفَتْهُنَّ فِي اسْتِحْقَاقِهَا لِلْعِتْقِ، وَامْتِنَاعِ نَقْلِ الْمِلْكِ فِيهَا، وَهَذَا لَا يُوجِبُ تَغَيُّرَ الْحُكْمِ فِي عَوْرَتِهَا، كَالْمُدَبَّرَةِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ حُكْمِهَا فِي إبَاحَةِ كَشْفِ رَأْسِهَا، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَنْقُلُ عَنْهُ مِنْ نَصٍّ، وَلَا مَا فِي مَعْنَاهُ، فَيَبْقَى الْحُكْمُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ.

[مَسْأَلَةٌ إذَا قَتَلَتْ أُمُّ الْوَلَدِ سَيِّدَهَا]

(٨٨٨٠) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِذَا قَتَلَتْ أُمُّ الْوَلَدِ سَيِّدَهَا، فَعَلَيْهَا قِيمَةُ نَفْسِهَا) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ أُمَّ الْوَلَد إذَا قَتَلَتْ سَيِّدَهَا، عَتَقَتْ؛ لِأَنَّهَا لَا يُمْكِنُ نَقْلُ الْمِلْكِ فِيهَا، وَقَدْ زَالَ مِلْكُ سَيِّدِهَا بِقَتْلِهِ، فَصَارَتْ حُرَّةً، كَمَا لَوْ قَتَلَهُ غَيْرُهَا، وَعَلَيْهَا قِيمَةُ نَفْسِهَا، إنْ لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ عَلَيْهَا. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: عَلَيْهَا الدِّيَةُ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ حُرَّةً. وَلِذَلِكَ لَزِمَهَا مُوجِبُ جِنَايَتِهَا، وَالْوَاجِبُ عَلَى الْحُرِّ بِقَتْلِ الْحُرِّ دِيَةٌ.

وَلَنَا، أَنَّهَا جِنَايَةٌ مِنْ أُمِّ وَلَدٍ، فَلَمْ يَجِبْ بِهَا أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهَا، كَمَا لَوْ جَنَتْ عَلَى أَجْنَبِيٍّ، وَلِأَنَّ اعْتِبَارَ الْجِنَايَةِ فِي حَقِّ الْجَانِي بِحَالِ الْجِنَايَةِ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ جَنَى عَلَى عَبْدٍ فَأَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ، وَهِيَ فِي حَالِ الْجِنَايَةِ أَمَةٌ، فَإِنَّهَا إنَّمَا عَتَقَتْ بِالْمَوْتِ الْحَاصِلِ بِالْجِنَايَةِ، فَيَكُونُ عَلَيْهَا فِدَاءُ نَفْسِهَا بِقِيمَتِهَا، كَمَا يَفْدِيهَا سَيِّدُهَا إذَا قَتَلَتْ غَيْرَهُ، وَلِأَنَّهَا نَاقِصَةٌ بِالرِّقِّ، أَشْبَهَتْ الْقِنَّ، وَتُفَارِقُ الْحُرَّ؛ فَإِنَّهُ جَنَى وَهُوَ كَامِلٌ، وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ مُوجِبُ الْجِنَايَةِ بِهَا؛ لِأَنَّهَا فَوَّتَتْ رِقَّهَا بِقَتْلِهَا لِسَيِّدِهَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ فَوَّتَ الْمُكَاتَبُ الْجَانِي رِقَّهُ بِأَدَائِهِ.

وَأَمَّا إنْ قَتَلَتْ سَيِّدَهَا عَمْدًا، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مِنْهُ وَلَدٌ، فَعَلَيْهَا الْقِصَاصُ لِوَرَثَةِ سَيِّدِهَا، وَإِنْ كَانَ لَهُ مِنْهَا وَلَدٌ وَهُوَ الْوَارِثُ وَحْدَهُ، فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ وَجَبَ، لَوَجَبَ لِوَلَدِهَا، وَلَا يَجِبُ لِلْوَلَدِ عَلَى أُمِّهِ قِصَاصٌ، وَقَدْ تَوَقَّفَ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ هَذِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>