للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَحَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ وَحَمَّادٌ وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ نَجِسًا لَنَجُسَ الْمَاءُ الْيَسِيرُ إذَا مَاتَ فِيهِ، فَإِنَّهُ إذَا مَكَثَ فِي الْمَاءِ لَا يَسْلَمُ مِنْ خُرُوجِ فَضْلَةٍ مِنْهُ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَمٍ مَسْفُوحٍ، وَإِنَّمَا حَرَّمَ اللَّهُ الدَّمَ الْمَسْفُوحَ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ فِي دَمِ الْبَرَاغِيثِ إذَا كَثُرَ: إنِّي لَأَفْزَعُ مِنْهُ. وَقَالَ النَّخَعِيُّ: اغْسِلْ مَا اسْتَطَعْتَ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي دَمِ الْبَرَاغِيثِ: إذَا كَثُرَ وَانْتَشَرَ، فَإِنِّي أَرَى أَنْ يُغْسَلَ.

وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. وَقَوْلُ أَحْمَدَ: إنِّي لَأَفْزَعُ مِنْهُ. لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي نَجَاسَتِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ دَلِيلٌ عَلَى تَوَقُّفِهِ فِيهِ، وَلَيْسَ الْمَنْسُوبُ إلَى الْبَرَاغِيثِ دَمًا إنَّمَا هُوَ بَوْلُهَا فِي الظَّاهِرِ، وَبَوْلُ هَذِهِ الْحَشَرَاتِ لَيْسَ بِنَجِسٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: دَمُ السَّمَكِ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّ إبَاحَتَهُ لَا تَقِفُ عَلَى سَفْحِهِ، وَلَوْ كَانَ نَجِسًا، لَوَقَفَتْ الْإِبَاحَةُ عَلَى إرَاقَتِهِ بِالذَّبْحِ كَحَيَوَانِ الْبَرِّ، وَلِأَنَّهُ إذَا تُرِكَ اسْتَحَالَ فَصَارَ مَاءً. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: هُوَ نَجِسٌ؛ لِأَنَّهُ دَمٌ مَسْفُوحٌ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام: ١٤٥] .

(٩٨٠) فَصْلٌ: وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي الْعَفْوِ عَنْ يَسِيرِ الْقَيْءِ، فَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ قَالَ: هُوَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الدَّمِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ الْإِنْسَانِ نَجِسٌ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلِ، فَأَشْبَهَ الدَّمَ. وَرُوِيَ عَنْهُ فِي الْمَذْيِ أَنَّهُ قَالَ: يُغْسَلُ مَا أَصَابَ الثَّوْبَ مِنْهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا. وَرَوَى الْخَلَّالُ، بِإِسْنَادِهِ قَالَ: سُئِلَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ الْمَذْيِ يَخْرُجُ، فَكُلُّهُمْ قَالَ: إنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْقُرْحَةِ، فَمَا عَلِمْت مِنْهُ فَاغْسِلْهُ، وَمَا غَلَبَك مِنْهُ فَدَعْهُ، وَلِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ الشَّبَابِ كَثِيرًا، فَيَشُقُّ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، فَعُفِيَ عَنْ يَسِيرِهِ، كَالدَّمِ.

وَكَذَلِكَ الْمَنِيُّ إذَا قُلْنَا بِنَجَاسَتِهِ. وَرُوِيَ عَنْهُ فِي الْوَدْيِ مِثْلُ ذَلِكَ، إلَّا أَنَّ الظَّاهِرَ عَنْهُ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْبَوْلِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَخْرَجِهِ. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَيْضًا أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ رِيقِ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَعَرَقِهِمَا، إذَا كَانَ يَسِيرًا. وَهُوَ الظَّاهِرُ عَنْ أَحْمَدَ. قَالَ الْخَلَّالُ: وَعَلَيْهِ مَذْهَبُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ؛ لِأَنَّهُ يَشُقُّ التَّحَرُّزُ مِنْهُ. قَالَ أَحْمَدُ: مَنْ يَسْلَمُ مِنْ هَذَا مِمَّنْ يَرْكَبُ الْحَمِيرَ، إلَّا إنِّي أَرْجُو أَنْ يَكُونَ مَا خَفَّ مِنْهُ أَسْهَلَ. قَالَ الْقَاضِي: وَكَذَلِكَ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُمَا مِنْ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ، سِوَى الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي أَبْوَالِهَا وَأَرْوَاثِهَا، وَبَوْلِ الْخُفَّاشِ.

قَالَ الشَّعْبِيُّ وَالْحَاكِمُ وَحَمَّادُ وَحَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ: لَا بَأْسَ بِبَوْلِ الْخَفَافِيشِ. وَكَذَلِكَ الْخُفَّاشُ؛ لِأَنَّهُ يَشُقُّ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، فَإِنَّهُ فِي الْمَسَاجِدِ يَكْثُرُ، فَلَوْ لَمْ يُعْفَ عَنْ يَسِيرِهِ لَمْ يُقَرَّ فِي الْمَسَاجِدِ. وَكَذَلِكَ بَوْلُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، إنْ قُلْنَا بِنَجَاسَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يَشُقُّ التَّحَرُّزُ مِنْهُ لِكَثْرَتِهِ. وَعَنْ أَحْمَدَ: لَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِ شَيْءٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>