للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ، إلَّا الشَّافِعِيَّ، فَإِنَّهُ اشْتَرَطَ أَنْ تَكُونَ سَلِيمَةً مِنْ أَبْعَارِهَا وَأَبْوَالِهَا. وَرَخَّصَ فِي ذَرْقِ الطَّائِرِ أَبُو جَعْفَرٍ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَعَنْ أَحْمَدَ: أَنَّ ذَلِكَ نَجِسٌ.

وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ، وَنَحْوُهُ عَنْ الْحَسَنِ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَنَزَّهُوا مِنْ الْبَوْلِ» . وَلِأَنَّهُ رَجِيعٌ، فَكَانَ نَجِسًا كَرَجِيعِ الْآدَمِيِّ. وَلَنَا، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ الْعُرَنِيِّينَ أَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِ الْإِبِلِ» ، وَالنَّجِسُ لَا يُبَاحُ شُرْبُهُ، وَلَوْ أُبِيحَ لِلضَّرُورَةِ لَأَمَرَهُمْ بِغَسْلِ أَثَرِهِ إذَا أَرَادُوا الصَّلَاةَ «، وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ: «صَلُّوا فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَهُوَ إجْمَاعٌ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَصَلَّى أَبُو مُوسَى فِي مَوْضِعٍ فِيهِ أَبْعَارُ الْغَنَمِ. فَقِيلَ لَهُ: لَوْ تَقَدَّمْت إلَى هَاهُنَا؟ فَقَالَ: هَذَا وَذَاكَ وَاحِدٌ.

وَلَمْ يَكُنْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ مَا يُصَلُّونَ عَلَيْهِ مِنْ الْأَوْطِئَةِ وَالْمُصَلَّيَاتِ، وَإِنَّمَا كَانُوا يُصَلُّونَ عَلَى الْأَرْضِ، وَمَرَابِضُ الْغَنَمِ لَا تَخْلُو مِنْ أَبْعَارِهَا وَأَبْوَالِهَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يُبَاشِرُونَهَا فِي صَلَاتِهِمْ، وَلِأَنَّهُ مُتَحَلِّلٌ مُعْتَادٌ مِنْ حَيَوَانٍ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، فَكَانَ طَاهِرًا كَاللَّبَنِ، وَذَرْقِ الطَّائِرِ عِنْدَ مَنْ سَلَّمَهُ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ نَجِسًا لَتَنَجَّسَتْ الْحُبُوبُ الَّتِي تَدُوسُهَا الْبَقَرُ، فَإِنَّهَا لَا تَسْلَمُ مِنْ أَبْوَالِهَا، فَيَتَنَجَّسُ بَعْضُهَا، وَيَخْتَلِطُ النَّجِسُ بِالطَّاهِرِ، فَيَصِيرُ حُكْمُ الْجَمِيعِ حُكْمَ النَّجِسِ.

[فَصْلٌ الْخَارِج مِنْ غَيْر السَّبِيلَيْنِ]

(٩٨٨) فَصْلٌ: فَأَمَّا الْخَارِجُ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ، فَالْحَيَوَانَاتُ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: الْآدَمِيُّ، فَالْخَارِجُ مِنْهُ نَوْعَانِ، طَاهِرٌ وَهُوَ رِيقُهُ وَدَمْعُهُ وَعَرَقُهُ وَمُخَاطُهُ، وَنُخَامَتُهُ، فَإِنَّهُ جَاءَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي يَوْمِ الْحُدَيْبِيَةِ، أَنَّهُ مَا تَنَخَّمَ نُخَامَةً إلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَلَوْلَا طَهَارَتُهَا لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ، فَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: مَا بَالُ أَحَدِكُمْ يَقُومُ يَسْتَقْبِلُ رَبَّهُ، فَيَتَنَخَّعُ أَمَامَهُ، أَيُحِبُّ أَنْ يُسْتَقْبَلَ فَيُتَنَخَّعَ فِي وَجْهِهِ؟ فَإِذَا تَنَخَّعَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَنَخَّعْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَقُلْ هَكَذَا» . وَوَصَفَ الْقَاسِمُ: فَتَفَلَ فِي ثَوْبِهِ، ثُمَّ مَسَحَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَلَوْ كَانَتْ نَجِسَةً لَمَا أَمَرَ بِمَسْحِهَا فِي ثَوْبِهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا تَحْتَ قَدَمِهِ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الرَّأْسِ وَالْبَلْغَمِ الْخَارِجِ مِنْ الصَّدْرِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: الْبَلْغَمُ نَجِسٌ؛ لِأَنَّهُ طَعَامٌ اسْتَحَالَ فِي الْمَعِدَةِ، أَشْبَهَ الْقَيْءَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>