للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالْأَثْرَمُ. وَلِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ السَّهْوِ، وَأَشْبَهُ بِصَلَاةِ اللَّيْلِ، وَتَطَوُّعَاتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ الصَّحِيحَ فِي تَطَوُّعَاتِهِ رَكْعَتَانِ. وَذَهَبَ الْحَسَنُ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ إلَى أَنَّ تَطَوُّعَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى لِذَلِكَ.

وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ تَطَوَّعَ فِي النَّهَارِ بِأَرْبَعٍ فَلَا بَأْسَ، فَعَلَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ، وَكَانَ إِسْحَاقُ يَقُولُ: صَلَاةُ النَّهَارِ أَخْتَارُ أَرْبَعًا، وَإِنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ جَازَ. وَيُشْبِهُهُ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ لَا تَسْلِيمَ فِيهِنَّ تُفْتَحُ لَهُنَّ أَبْوَابُ السَّمَاءِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَلِأَنَّ مَفْهُومَ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى» أَنَّ صَلَاةَ النَّهَارِ رُبَاعِيَّةٌ. وَلَنَا عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ مَثْنَى، مَا تَقَدَّمَ، وَحَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ يَرْوِيهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَتَّبٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَمَفْهُومُ الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْأَرْبَعِ لَا عَلَى تَفْضِيلِهَا، وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَارِقِيِّ فَإِنَّهُ تَفَرَّدَ بِزِيَادَةِ لَفْظَةِ " النَّهَارِ " مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الرُّوَاةِ، وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ نَحْوٌ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ نَفْسًا، لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ أَحَدٌ سِوَاهُ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى ضَعْفِ رِوَايَتِهِ، أَوْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ الْفَضِيلَةُ، مَعَ جَوَازِ غَيْرِهِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(١٠٣٧) فَصْلٌ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: وَلَا يُزَادُ فِي اللَّيْلِ عَلَى اثْنَتَيْنِ، وَلَا فِي النَّهَارِ عَلَى أَرْبَعٍ، وَلَا يَصِحُّ التَّطَوُّعُ بِرَكْعَةٍ وَلَا بِثَلَاثٍ. وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَوْ صَلَّى سِتًّا فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، كُرِهَ وَصَحَّ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: فِي صِحَّةِ التَّطَوُّعِ بِرَكْعَةٍ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، يَجُوزُ؛ لِمَا رَوَى سَعِيدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ قَابُوسَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: دَخَلَ عُمَرُ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى رَكْعَةً، ثُمَّ خَرَجَ فَتَبِعَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إنَّمَا صَلَّيْت رَكْعَةً. قَالَ: هُوَ تَطَوُّعٌ، فَمَنْ شَاءَ زَادَ، وَمَنْ شَاءَ نَقَصَ. وَلَنَا، أَنَّ هَذَا خِلَافُ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى» . وَلِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِمِثْلِهِ، وَالْأَحْكَامُ إنَّمَا تُتَلَقَّى مِنْ الشَّارِعِ، إمَّا مِنْ نَصِّهِ، أَوْ مَعْنَى نَصِّهِ، وَلَيْسَ هَاهُنَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ.

[فَصْلٌ التَّطَوُّعَاتُ قِسْمَانِ]

فَصْلٌ: وَالتَّطَوُّعَاتُ قِسْمَانِ؛ أَحَدُهُمَا، مَا تُسَنُّ لَهُ الْجَمَاعَةُ، وَهُوَ صَلَاةُ الْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالتَّرَاوِيحِ، وَنَذْكُرُهَا، إنْ شَاءَ اللَّهُ، فِي مَوَاضِعِهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>