للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مَسْأَلَةَ يُبَاحُ أَنْ يَتَطَوَّعَ جَالِسًا]

(١٠٦١) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَيُبَاحُ أَنْ يَتَطَوَّعَ جَالِسًا) لَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي إبَاحَةِ التَّطَوُّعِ جَالِسًا، وَأَنَّهُ فِي الْقِيَامِ أَفْضَلُ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي لَفْظِ مُسْلِمٍ: «صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا نِصْفُ الصَّلَاةِ» . وَقَالَتْ عَائِشَةُ: «إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَمُتْ حَتَّى كَانَ كَثِيرٌ مِنْ صَلَاتِهِ وَهُوَ جَالِسٌ» . وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ حَفْصَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، أَخْرَجَهُنَّ مُسْلِمٌ. وَلِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يَشُقُّ عَلَيْهِ طُولُ الْقِيَامِ، فَلَوْ وَجَبَ فِي التَّطَوُّعِ لَتُرِكَ أَكْثَرُهُ، فَسَامَحَ الشَّارِعُ فِي تَرْكِ الْقِيَامِ فِيهِ تَرْغِيبًا فِي تَكْثِيرِهِ، كَمَا سَامَحَ فِي فِعْلِهِ عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي السَّفَرِ، وَسَامَحَ فِي نِيَّةِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ مِنْ النَّهَارِ.

[مَسْأَلَة يُسْتَحَبُّ لِلْمُتَطَوِّعِ جَالِسًا أَنْ يَكُونَ فِي حَالِ الْقِيَامِ مُتَرَبِّعًا]

(١٠٦٢) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَيَكُونُ فِي حَالِ الْقِيَامِ مُتَرَبِّعًا، وَيَثْنِي رِجْلَيْهِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمُتَطَوِّعِ جَالِسًا أَنْ يَكُونَ فِي حَالِ الْقِيَامِ مُتَرَبِّعًا، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَأَنَسٍ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَمُجَاهِدٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَمَالِكٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَقَوْلِنَا. وَعَنْهُ يَجْلِسُ كَيْفَ شَاءَ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعُرْوَةَ، وَابْنِ عُمَرَ: يَجْلِسُ كَيْفَ شَاءَ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ سَقَطَ، فَسَقَطَتْ هَيْئَتُهُ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعُرْوَةَ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، أَنَّهُمْ كَانُوا يَحْتَبُونَ فِي التَّطَوُّعِ.

وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ عَطَاءٍ، وَالنَّخَعِيِّ. وَلَنَا، أَنَّ الْقِيَامَ يُخَالِفُ الْقُعُودَ فَيَنْبَغِي أَنْ تُخَالِفَ هَيْئَتُهُ فِي بَدَلِهِ هَيْئَةَ غَيْرِهِ، كَمُخَالَفَةِ الْقِيَامِ غَيْرَهُ، وَهُوَ مَعَ هَذَا أَبْعَدُ مِنْ السَّهْوِ وَالِاشْتِبَاهِ، وَلَيْسَ إذَا سَقَطَ الْقِيَامُ لِمَشَقَّتِهِ يَلْزَمُ سُقُوطُ مَا لَا مَشَقَّةَ فِيهِ، كَمَنْ سَقَطَ عَنْهُ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ، لَا يَلْزَمُ سُقُوطُ الْإِيمَاءِ بِهِمَا. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ صِفَةِ الْجُلُوسِ مُسْتَحَبٌّ غَيْرُ وَاجِبٍ، إذْ لَمْ يَرِدْ بِإِيجَابِهِ دَلِيلٌ. فَأَمَّا قَوْلُهُ: «وَيَثْنِي رِجْلَيْهِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ» . فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ. قَالَ أَحْمَدُ: يُرْوَى عَنْ أَنَسٍ، أَنَّهُ صَلَّى مُتَرَبِّعًا، فَلَمَّا رَكَعَ ثَنَى رِجْلَهُ. وَهَذَا قَوْلُ الثَّوْرِيِّ.

وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، أَنَّهُ لَا يَثْنِي رِجْلَيْهِ إلَّا فِي السُّجُودِ خَاصَّةً، وَيَكُونُ فِي الرُّكُوعِ عَلَى هَيْئَةِ الْقِيَامِ. وَذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَهُوَ أَقْيَسُ؛ لِأَنَّ هَيْئَةَ الرَّاكِعِ فِي رِجْلَيْهِ هَيْئَةُ الْقَائِمِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى هَيْئَتِهِ، وَهَذَا أَصَحُّ فِي النَّظَرِ إلَّا أَنَّ أَحْمَدَ ذَهَبَ إلَى فِعْلِ أَنَسٍ، وَأَخَذَ بِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>