للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: «صَلَاةُ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ، وَصَلَاةُ النَّائِمِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَاعِدِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ هَكَذَا. فَمَنْ عَجَزَ عَنْ الصَّلَاةِ قَاعِدًا فَإِنَّهُ يُصَلِّي عَلَى جَنْبِهِ، مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ بِوَجْهِهِ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَارِثُ الْعُكْلِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: يُصَلِّي مُسْتَلْقِيًا، وَوَجْهُهُ وَرِجْلَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ؛ لِيَكُونَ إيمَاؤُهُ إلَيْهَا، فَإِنَّهُ إذَا صَلَّى عَلَى جَنْبِهِ كَانَ وَجْهُهُ فِي الْإِيمَاءِ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ.

وَلَنَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ» . وَلَمْ يَقُلْ: فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَمُسْتَلْقِيًا. وَلِأَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ إذَا كَانَ عَلَى جَنْبِهِ، وَلَا يَسْتَقْبِلُهَا إذَا كَانَ عَلَى ظَهْرِهِ، وَإِنَّمَا يَسْتَقْبِلُ السَّمَاءَ، وَلِذَلِكَ يُوضَعُ الْمَيِّتُ فِي قَبْرِهِ عَلَى جَنْبِهِ قَصْدَ التَّوْجِيهِ إلَى الْقِبْلَةِ. وَقَوْلُهُمْ: إنَّ وَجْهَهُ فِي الْإِيمَاءِ يَكُونُ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ. قُلْنَا: اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ مِنْ الصَّحِيحِ لَا يَكُونَ فِي حَالِ الرُّكُوعِ بِوَجْهِهِ، وَلَا فِي حَالِ السُّجُودِ، إنَّمَا يَكُونُ إلَى الْأَرْضِ، فَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْمَرِيضِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ فِيهِمَا أَيْضًا. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ، فَإِنْ صَلَّى عَلَى الْأَيْسَرِ، جَازَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُعَيِّنْ جَنْبًا بِعَيْنِهِ، وَلِأَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ عَلَى أَيِّ الْجَنْبَيْنِ كَانَ.

وَإِنْ صَلَّى عَلَى ظَهْرِهِ، مَعَ إمْكَانِ الصَّلَاةِ عَلَى جَنْبِهِ، فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ اسْتِقْبَالٍ، وَلِهَذَا يُوَجَّهُ الْمَيِّتُ عِنْدَ الْمَوْتِ كَذَلِكَ. وَالدَّلِيلُ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ أَمْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِهِ: (فَعَلَى جَنْبٍ. وَلِأَنَّهُ نَقَلَهُ إلَى الِاسْتِلْقَاءِ عِنْدَ عَجْزِهِ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى جَنْبِهِ، فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ مَعَ إمْكَانِ الصَّلَاةِ عَلَى جَنْبِهِ، وَلِأَنَّهُ تَرَكَ الِاسْتِقْبَالَ مَعَ إمْكَانِهِ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى جَنْبِهِ، صَلَّى مُسْتَلْقِيًا؛ لِلْخَبَرِ، وَلِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ الصَّلَاة عَلَى جَنْبِهِ، فَسَقَطَ، كَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ.

[فَصْلٌ إذَا كَانَ بِعَيْنِهِ مَرَضٌ لَا يَسْتَطِيع مَعَهُ الصَّلَاةَ مُسْتَلْقِيًا]

(١٠٧٠) فَصْلٌ: إذَا كَانَ بِعَيْنِهِ مَرَضٌ. فَقَالَ ثِقَاتٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِالطِّبِّ: إنْ صَلَّيْت مُسْتَلْقِيًا أَمْكَنَ مُدَاوَاتُكَ. فَقَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ جَوَازُ ذَلِكَ. وَهُوَ قَوْلُ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ. وَكَرِهَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأَبُو وَائِلٍ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ: لَا يَجُوزُ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ لَمَّا كُفَّ بَصَرُهُ أَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: لَوْ صَبَرْت عَلَيَّ سَبْعَةَ أَيَّامٍ لَمْ تُصَلِّ إلَّا مُسْتَلْقِيًا دَاوَيْتُ عَيْنَكَ، وَرَجَوْتُ أَنْ تَبْرَأَ. فَأَرْسَلَ فِي ذَلِكَ إلَى عَائِشَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكُلٌّ قَالَ لَهُ: إنْ مِتَّ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ فَمَا الَّذِي تَصْنَعُ بِالصَّلَاةِ؟ فَتَرَكَ مُعَالَجَةَ عَيْنِهِ.

وَلَنَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى جَالِسًا لَمَّا جُحِشَ شِقُّهُ الْأَيْمَنُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْجِزُ عَنْ الْقِيَامِ، لَكِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>