للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْجَمَاعَةِ أَنْ يَنْوِيَ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ حَالَهُمَا]

(١١٩٨) فَصْلٌ: مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْجَمَاعَةِ أَنْ يَنْوِيَ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ حَالَهُمَا، فَيَنْوِي الْإِمَامُ أَنَّهُ إمَامٌ، وَالْمَأْمُومُ أَنَّهُ مَأْمُومٌ، فَإِنْ صَلَّى رَجُلَانِ يَنْوِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ إمَامُ صَاحِبِهِ، أَوْ مَأْمُومٌ لَهُ، فَصَلَاتُهُمَا فَاسِدَةٌ. نُصَّ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ ائْتَمَّ بِمَنْ لَيْسَ بِإِمَامٍ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، وَأَمَّ مَنْ لَمْ يَأْتَمَّ بِهِ فِي الثَّانِيَةِ. وَلَوْ رَأَى رَجُلَيْنِ يُصَلِّيَانِ، فَنَوَى الِائْتِمَامَ بِالْمَأْمُومِ، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ ائْتَمَّ بِمَنْ لَمْ يَنْوِ إمَامَتَهُ. وَإِنْ نَوَى الِائْتِمَامَ بِأَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ، لَمْ يَصِحَّ، حَتَّى يُعَيِّنَ الْإِمَامَ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَهُ شَرْطٌ.

وَإِنْ نَوَى الِائْتِمَامَ بِهِمَا مَعًا، لَمْ يَصِحَّ، لِأَنَّهُ نَوَى الِائْتِمَامَ بِمَنْ لَيْسَ بِإِمَامٍ، وَلِأَنَّهُ نَوَى الِائْتِمَامَ بِاثْنَيْنِ، وَلَا يَجُوزُ الِائْتِمَامُ بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ. وَلَوْ نَوَى الِائْتِمَامَ بِإِمَامَيْنِ، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اتِّبَاعُهُمَا مَعًا.

[فَصْلٌ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَصَلَّى مَعَهُ فَنَوَى إمَامَتَهُ]

(١١٩٩) فَصْلٌ: وَلَوْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَصَلَّى مَعَهُ، فَنَوَى إمَامَتَهُ، صَحَّ فِي النَّفْلِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ.

وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ «أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ، فَقَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَطَوِّعًا مِنْ اللَّيْلِ، فَقَامَ إلَى الْقِرْبَةِ فَتَوَضَّأَ، فَقَامَ فَصَلَّى، فَقُمْت لَمَّا رَأَيْتُهُ صَنَعَ ذَلِكَ فَتَوَضَّأْتُ مِنْ الْقِرْبَةِ، ثُمَّ قُمْتُ إلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ، فَأَخَذَ بِيَدَيْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ يَعْدِلُنِي كَذَلِكَ إلَى الشِّقِّ الْأَيْمَنِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَهَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ.

فَأَمَّا فِي الْفَرِيضَةِ، فَإِنْ كَانَ يَنْتَظِرُ أَحَدًا كَإِمَامِ الْمَسْجِدِ يُحْرِمُ وَحْدَهُ وَيَنْتَظِرُ مَنْ يَأْتِي فَيُصَلِّي مَعَهُ، فَيَجُوزُ ذَلِكَ أَيْضًا. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْرَمَ وَحْدَهُ، ثُمَّ جَاءَ جَابِرٌ وَجُبَارَةُ فَأَحْرَمَا مَعَهُ، فَصَلَّى بِهِمَا، وَلَمْ يُنْكِرْ فِعْلَهُمَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا كَانَتْ صَلَاةً مَفْرُوضَةً، لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُسَافِرِينَ.

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، هَذَا قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الْإِمَامَةَ فِي ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ ائْتَمَّ بِمَأْمُومٍ. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: فِي النَّفْسِ مِنْهَا شَيْءٌ. مَعَ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ يُقَوِّيهِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي النَّفْلِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَحَدِيثِ عَائِشَةَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ وَجِدَارُ الْحُجْرَةِ قَصِيرٌ، فَرَأَى النَّاسُ شَخْصَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَامَ أُنَاسٌ يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ» . وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ.

وَالْأَصْلُ مُسَاوَاةُ الْفَرْضِ لِلنَّفْلِ فِي النِّيَّةِ، وَقَوَّى ذَلِكَ حَدِيثُ جَابِرٍ وَجُبَارَةَ فِي الْفَرْضِ، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى نَقْلِ النِّيَّةِ إلَى الْإِمَامَةِ فَصَحَّ كَحَالَةِ الِاسْتِخْلَافِ، وَبَيَانُ الْحَاجَةِ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ إذَا جَاءَ قَوْمٌ فَأَحْرَمُوا وَرَاءَهُ، فَإِنْ قَطَعَ الصَّلَاةَ وَأَخْبَرَ بِحَالِهِ قَبُحَ، وَكَانَ مُرْتَكِبًا لِلنَّهْيِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: ٣٣] وَإِنْ أَتَمَّ الصَّلَاةَ بِهِمْ، ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ بِفَسَادِ صَلَاتِهِمْ كَانَ أَقْبَحَ وَأَشَقَّ.

وَلِأَنَّ الِانْفِرَادَ أَحَدُ حَالَتَيْ عَدَمِ الْإِمَامَةِ فِي الصَّلَاةِ، فَجَازَ الِانْتِقَالُ

<<  <  ج: ص:  >  >>