للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ فِي سَفَرِ التَّنَزُّهِ وَالتَّفَرُّجِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا تُبِيحُ التَّرَخُّصَ]

(١٢٤٢) فَصْلٌ: وَفِي سَفَرِ التَّنَزُّهِ وَالتَّفَرُّجِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا، تُبِيحُ التَّرَخُّصَ. وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ لِأَنَّهُ سَفَرٌ مُبَاحٌ، فَدَخَلَ فِي عُمُومِ النُّصُوصِ الْمَذْكُورَةِ، وَقِيَاسًا عَلَى سَفَرِ التِّجَارَةِ. وَالثَّانِيَةُ: لَا يَتَرَخَّصُ فِيهِ. قَالَ أَحْمَدُ: إذَا خَرَجَ الرَّجُلُ إلَى بَعْضِ الْبُلْدَانِ تَنَزُّهًا وَتَلَذُّذًا، وَلَيْسَ فِي طَلَبِ حَدِيثٍ وَلَا حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ وَلَا تِجَارَةٍ، فَإِنَّهُ لَا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا شُرِعَ إعَانَةً عَلَى تَحْصِيلِ الْمَصْلَحَةِ، وَلَا مَصْلَحَةَ فِي هَذَا.

وَالْأَوَّلُ أَوْلَى.

[فَصْلٌ حُكْم الْقَصْر إذَا سَافَرَ لِزِيَارَةِ الْقُبُورِ وَالْمَشَاهِدِ]

(١٢٤٣) فَصْلٌ: فَإِنْ سَافَرَ لِزِيَارَةِ الْقُبُورِ وَالْمَشَاهِدِ. فَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يُبَاحُ لَهُ التَّرَخُّصُ؛ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ السَّفَرِ إلَيْهَا، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَالصَّحِيحُ إبَاحَتُهُ، وَجَوَازُ الْقَصْرِ فِيهِ؛ لَانَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْتِي قُبَاءَ رَاكِبًا وَمَاشِيًا، وَكَانَ يَزُورُ الْقُبُورَ، وَقَالَ: «زُورُوهَا تُذَكِّرْكُمْ الْآخِرَةَ» .

وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ " فَيُحْمَلُ عَلَى نَفْيِ التَّفْضِيلِ، لَا عَلَى التَّحْرِيمِ، وَلَيْسَتْ الْفَضِيلَةُ شَرْطًا فِي إبَاحَةِ الْقَصْرِ، فَلَا يَضُرُّ انْتِفَاؤُهَا.

[فَصْلٌ الْمَلَّاحُ هَلْ يَقْصُرُ فِي السَّفِينَة]

(١٢٤٤) فَصْلٌ: وَالْمَلَّاحُ الَّذِي يَسِيرُ فِي سَفِينِهِ، وَلَيْسَ لَهُ بَيْتٌ سِوَى سَفِينَتِهِ، فِيهَا أَهْلُهُ وَتَنُّورُهُ وَحَاجَتُهُ، لَا يُبَاحُ لَهُ التَّرَخُّصُ. قَالَ الْأَثْرَمُ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يُسْأَلُ عَنْ الْمَلَّاحِ، أَيَقْصُرُ، وَيُفْطِرُ فِي السَّفِينَةِ؟ قَالَ: أَمَّا إذَا كَانَتْ السَّفِينَةُ بَيْتَهُ فَإِنَّهُ يُتِمُّ وَيَصُومُ. قِيلَ لَهُ: وَكَيْفَ تَكُونُ بَيْتَهُ؟ قَالَ: لَا يَكُونُ لَهُ بَيْتٌ غَيْرَهَا، مَعَهُ فِيهَا أَهْلُهُ وَهُوَ فِيهَا مُقِيمٌ. وَهَذَا قَوْلُ عَطَاءٍ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَقْصُرُ وَيُفْطِرُ؛ لِعُمُومِ النُّصُوصِ، وَقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ الْمُسَافِرِ الصَّوْمَ وَشَطْرَ الصَّلَاةِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَلِأَنَّ كَوْنَ أَهْلِهِ مَعَهُ لَا يَمْنَعُ التَّرَخُّصَ، كَالْجَمَّالِ. وَلَنَا، أَنَّهُ غَيْرُ ظَاعِنٍ عَنْ مَنْزِلِهِ، فَلَمْ يُبَحْ لَهُ التَّرَخُّصُ، كَالْمُقِيمِ فِي الْمُدُنِ، فَأَمَّا النُّصُوصُ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهَا الظَّاعِنُ عَنْ مَنْزِلِهِ، وَلَيْسَ هَذَا كَذَلِكَ، وَأَمَّا الْجَمَّالُ وَالْمُكَارِي فَلَهُمْ التَّرَخُّصُ وَإِنْ سَافَرُوا بِأَهْلِهِمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>