للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ارْتَحَلَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، عَجَّلَ الْعِشَاءَ، فَصَلَّاهَا مَعَ الْمَغْرِبِ.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ مِثْلَ ذَلِكَ. وَقِيلَ: إنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَهَذَا صَرِيحٌ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ. وَرَوَى مَالِكٌ فِي " الْمُوَطَّأِ "، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، أَنَّ مُعَاذًا أَخْبَرَهُ، أَنَّهُمْ «خَرَجُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ. قَالَ: فَأَخَّرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ دَخَلَ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا.» قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، ثَابِتُ الْإِسْنَادِ. وَقَالَ أَهْلُ السِّيَرِ: إنَّ غَزْوَةَ (تَبُوكَ) كَانَتْ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ تِسْعٍ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَوْضَحُ الدَّلَائِلِ، وَأَقْوَى الْحُجَجِ، فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ: لَا يَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ إلَّا إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَجْمَعُ وَهُوَ نَازِلٌ غَيْرُ سَائِرٍ، مَاكِثٌ فِي خِبَائِهِ، يَخْرُجُ فَيُصَلِّي الصَّلَاتَيْنِ جَمِيعًا، ثُمَّ يَنْصَرِفُ إلَى خِبَائِهِ. وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ " قَالَ: فَكَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا. وَالْأَخْذُ بِهَذَا الْحَدِيثِ (مُتَعَيَّنٌ) ؛ لِثُبُوتِهِ وَكَوْنِهِ صَرِيحًا فِي الْحُكْمِ، وَلَا مُعَارِضَ لَهُ، وَلِأَنَّ الْجَمْعَ رُخْصَةٌ مِنْ رُخَصِ السَّفَرِ، فَلَمْ يَخْتَصَّ بِحَالَةِ السَّيْرِ، كَالْقَصْرِ وَالْمَسْحِ، وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ التَّأْخِيرُ، لِأَنَّهُ أَخْذٌ بِالِاحْتِيَاطِ، وَخُرُوجٌ مِنْ خِلَافِ الْقَائِلِينَ بِالْجَمْعِ، وَعَمَلٌ بِالْأَحَادِيثِ كُلِّهَا.

(١٢٥٣) فَصْلٌ: وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ إلَّا فِي سَفَرٍ يُبِيحُ الْقَصْرَ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: يَجُوزُ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ؛ لِأَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ يَجْمَعُونَ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ، وَهُوَ سَفَرٌ قَصِيرٌ. وَلَنَا، أَنَّهُ رُخْصَةٌ تَثْبُتُ لِدَفْعِ الْمَشَقَّةِ فِي السَّفَرِ، فَاخْتَصَّتْ بِالطَّوِيلِ، كَالْقَصْرِ وَالْمَسْحِ ثَلَاثًا؛ وَلِأَنَّهُ تَأْخِيرٌ لِلْعِبَادَةِ عَنْ وَقْتِهَا، فَأَشْبَهَ الْفِطْرَ، وَلِأَنَّ دَلِيلَ الْجَمْعِ فِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْفِعْلُ لَا صِيغَةَ لَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ قَضِيَّةٌ فِي عَيْنٍ، فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُهَا إلَّا فِي مِثْلِهَا، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ جَمَعَ إلَّا فِي سَفَرٍ طَوِيلٍ.

(١٢٥٤) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ الْجَمْعُ لِأَجْلِ الْمَطَرِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ. وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَفَعَلَهُ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ. وَهُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ، وَمَالِكٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَرُوِيَ عَنْ مَرْوَانَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَلَمْ (يُجَوِّزْهُ) أَصْحَابُ الرَّأْيِ. فَصْلٌ: وَلَنَا، أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. قَالَ: إنَّ مِنْ السُّنَّةِ إذَا كَانَ يَوْمٌ مَطِيرٌ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ. رَوَاهُ الْأَثْرَمُ. وَهَذَا يَنْصَرِفُ إلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَالَ نَافِعٌ: إنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>