للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الصَّلَاةِ رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» . وَلِأَنَّ مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الْجُمُعَةِ رَكْعَةً أَتَمَّهَا جُمُعَةً، وَمَنْ أَدْرَكَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، لَا يَلْزَمُهُ فَرْضُهَا.

وَلَنَا، مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: «مَا بَالُ الْمُسَافِرِ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فِي حَالِ الِانْفِرَادِ، وَأَرْبَعًا إذَا ائْتَمَّ بِمُقِيمٍ؟ فَقَالَ: تِلْكَ السُّنَّةُ.» رَوَاهُ أَحْمَدُ، فِي " الْمُسْنَدِ "

وَقَوْلُهُ: السُّنَّةُ. يَنْصَرِفُ إلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَلِأَنَّهُ فِعْلُ مَنْ سَمَّيْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَا نَعْرِفُ لَهُمْ فِي عَصْرِهِمْ مُخَالِفًا. قَالَ نَافِعٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ صَلَّاهَا أَرْبَعًا، وَإِذَا صَلَّى وَحْدَهُ صَلَّاهَا رَكْعَتَيْنِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلِأَنَّ هَذِهِ صَلَاةٌ مَرْدُودَةٌ مِنْ أَرْبَعٍ إلَى رَكْعَتَيْنِ، فَلَا يُصَلِّيهَا خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الْأَرْبَعَ كَالْجُمُعَةِ

وَمَا ذَكَرَهُ إِسْحَاقُ لَا يَصِحُّ عِنْدَنَا؛ فَإِنَّهُ لَا تَصِحُّ لَهُ صَلَاةُ الْفَجْرِ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الرُّبَاعِيَّةَ، وَإِدْرَاكُ الْجُمُعَةِ يُخَالِفُ مَا نَحْنُ فِيهِ، فَإِنَّهُ لَوْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْجُمُعَةِ رَجَعَ إلَى رَكْعَتَيْنِ، وَهَذَا بِخِلَافِهِ. وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ» . وَمُفَارَقَةُ إمَامِهِ اخْتِلَافٌ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَجُزْ مَعَ إمْكَانِ مُتَابَعَتِهِ. وَإِذَا أَحْرَمَ الْمُسَافِرُونَ خَلْفَ مُسَافِرٍ فَأَحْدَثَ، وَاسْتَخْلَفَ مُسَافِرًا آخَرَ، فَلَهُمْ الْقَصْرُ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَأْتَمُّوا بِمُقِيمٍ.

وَإِنْ اسْتَخْلَفَ مُقِيمًا، لَزِمَهُمْ الْإِتْمَامُ؛ لِأَنَّهُمْ ائْتَمُّوا بِمُقِيمٍ، وَلِلْإِمَامِ الَّذِي أَحْدَثَ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةَ الْمُسَافِرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتَمَّ بِمُقِيمٍ. وَلَوْ صَلَّى الْمُسَافِرُونَ خَلْفَ مُقِيمٍ، فَأَحْدَثَ وَاسْتَخْلَفَ مُسَافِرًا أَوْ مُقِيمًا، لَزِمَهُمْ الْإِتْمَامُ؛ لِأَنَّهُمْ ائْتَمُّوا بِمُقِيمٍ، فَإِنْ اسْتَخْلَفَ مُسَافِرًا لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ فِي الصَّلَاةِ، فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةَ السَّفَرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتَمَّ بِمُقِيمٍ.

[فَصْلٌ أَحْرَمَ الْمُسَافِرُ خَلْفَ مُقِيمٍ]

(١٢٧٤) فَصْلٌ: وَإِذَا أَحْرَمَ الْمُسَافِرُ خَلْفَ مُقِيمٍ، أَوْ مَنْ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ مُقِيمٌ، أَوْ مَنْ يَشُكُّ هَلْ هُوَ مُقِيمٌ أَوْ مُسَافِرٌ؟ لَزِمَ الْإِتْمَامُ، وَإِنْ قَصَرَ إمَامُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُ الصَّلَاةِ تَامَّةً، فَلَيْسَ لَهُ نِيَّةُ قَصْرِهَا مَعَ الشَّكِّ فِي وُجُوبِ إتْمَامِهَا، وَيَلْزَمُهُ إتْمَامُهَا اعْتِبَارًا بِالنِّيَّةِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.

وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْإِمَامَ مُسَافِرٌ؛ لِرُؤْيَةِ حِلْيَةِ الْمُسَافِرِينَ عَلَيْهِ وَآثَارِ السَّفَرِ، فَلَهُ أَنْ يَنْوِيَ الْقَصْرَ، فَإِنْ قَصَرَ إمَامُهُ قَصَرَ مَعَهُ، وَإِنْ أَتَمَّ لَزِمَهُ مُتَابَعَتُهُ، وَإِنْ نَوَى الْإِتْمَامَ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ، سَوَاءٌ قَصَرَ إمَامُهُ، أَوْ أَتَمَّ، اعْتِبَارًا بِالنِّيَّةِ.

وَإِنْ نَوَى الْقَصْرَ فَأَحْدَثَ إمَامُهُ قَبْلَ عِلْمِهِ بِحَالِهِ، فَلَهُ الْقَصْرُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ إمَامَهُ مُسَافِرٌ؛ لِوُجُودِ دَلِيلِهِ، وَقَدْ أُبِيحَتْ لَهُ نِيَّةُ الْقَصْرِ، بِنَاءً عَلَى هَذَا الظَّاهِرِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْزَمَهُ الْإِتْمَامُ احْتِيَاطًا.

[فَصْلٌ صَلَّى الْمُسَافِرُ صَلَاةَ الْخَوْفِ بِمُسَافِرِينَ]

(١٢٧٥) فَصْلٌ: إذَا صَلَّى الْمُسَافِرُ صَلَاةَ الْخَوْفِ بِمُسَافِرِينَ، فَفَرَّقَهُمْ فِرْقَتَيْنِ، فَأَحْدَثَ قَبْلَ مُفَارَقَةِ الطَّائِفَةِ الْأُولَى، وَاسْتَخْلَفَ مُقِيمًا، لَزِمَ الطَّائِفَتَيْنِ الْإِتْمَامُ، لِوُجُودِ الِائْتِمَامِ بِمُقِيمٍ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْأُولَى، أَتَمَّتْ الثَّانِيَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>