للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَمْ يَرْكَبْ، وَدَنَا مِنْ الْإِمَامِ فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ.»

قَوْلُهُ " بَكَّرَ " أَيْ خَرَجَ فِي بُكْرَةِ النَّهَارِ، وَهِيَ أَوَّلُهُ " وَابْتَكَرَ " بَالَغَ فِي التَّبْكِيرِ، أَيْ جَاءَ فِي أَوَّلِ الْبُكْرَةِ، عَلَى مَا قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

تَرُوحُ مِنْ الْحَيِّ أَمْ تَبْتَكِرُ

وَقِيلَ: مَعْنَاهُ ابْتَكَرَ الْعِبَادَةَ مَعَ بُكُورَةٍ. وَقِيلَ: ابْتَكَرَ الْخُطْبَةَ. أَيْ: حَضَرَ الْخُطْبَةَ، مَأْخُوذٌ مِنْ بَاكُورَةِ الثَّمَرَةِ، وَهِيَ أَوَّلُهَا. وَغَيْرُ هَذَا أَجْوَدُ؛ لِأَنَّ مَنْ جَاءَ فِي بُكْرَةِ النَّهَارِ، لَزِمَ أَنْ يَحْضُرَ أَوَّلَ الْخُطْبَةِ

وَقَوْلُهُ: " غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ " أَيْ: جَامَعَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ اغْتَسَلَ. وَلِهَذَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ» . قَالَ أَحْمَدُ: تَفْسِيرُ قَوْلِهِ: " مَنْ غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ " مُشَدَّدَةً، يُرِيدُ يُغَسِّلُ أَهْلَهُ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ التَّابِعِينَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَهِلَالُ بْنُ يَسَافٍ، يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يُغَسِّلَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى أَنْ يَطَأَ وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ ذَلِكَ لِيَكُونَ أَسْكَنَ لِنَفْسِهِ، وَأَغَضَّ لِطَرْفِهِ فِي طَرِيقِهِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ وَكِيعٍ أَيْضًا. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ غَسَّلَ رَأْسَهُ، وَاغْتَسَلَ فِي بَدَنِهِ. حُكِيَ هَذَا عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ.

وَقَوْلُهُ: " غُسْلَ الْجَنَابَةِ " عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ أَيْ كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَمُخَالِفٌ لِلْآثَارِ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ يُسْتَحَبُّ فِعْلُهَا عِنْدَ الزَّوَالِ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُبَكِّرُ بِهَا، وَمَتَى خَرَجَ الْإِمَامُ طُوِيَتْ الصُّحُفُ، فَلَمْ يُكْتَبْ مَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَأَيُّ فَضِيلَةٍ لِهَذَا؟ وَإِنْ أَخَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْئًا دَخَلَ فِي النَّهْيِ وَالذَّمِّ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَّذِي جَاءَ يَتَخَطَّى النَّاسَ: «رَأَيْتُكَ آنَيْتَ وَآذَيْتَ» . أَيْ أَخَّرْتَ الْمَجِيءَ. وَقَالَ عُمَرُ لِعُثْمَانَ حِينَ جَاءَ وَهُوَ يَخْطُبُ: أَيُّ سَاعَةٍ هَذِهِ؟ عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ.

وَإِنْ أَخَّرَ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ، فَكَيْفَ يَكُونُ لِهَؤُلَاءِ بَدَنَةٌ، أَوْ بَقَرَةٌ، أَوْ فَضْلٌ، وَهُمْ مِنْ أَهْلِ الذَّمِّ. وَقَوْلُهُ: " رَاحَ إلَى الْجُمُعَةِ " أَيْ: ذَهَبَ إلَيْهَا. لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ هَذَا.

[فَصْلٌ الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَمْشِيَ وَلَا يَرْكَبَ فِي طَرِيقِهِ إلَى الْجُمُعَةِ]

(١٢٩٦) فَصْلٌ: وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَمْشِيَ وَلَا يَرْكَبَ فِي طَرِيقِهَا؛ لِقَوْلِهِ: " وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ ". وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ لَمْ يَرْكَبْ فِي عِيدٍ وَلَا جِنَازَةٍ.» وَالْجُمُعَةُ فِي مَعْنَاهُمَا، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهَا، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ بَابُ حُجْرَتِهِ شَارِعًا فِي الْمَسْجِدِ، يَخْرُجُ مِنْهُ إلَيْهِ، فَلَا يَحْتَمِلُ الرُّكُوبَ، وَلِأَنَّ الثَّوَابَ عَلَى الْخُطُوَاتِ، بِدَلِيلِ مَا رَوَيْنَاهُ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ فِي حَالِ مَشْيِهِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا سَمِعْتُمْ الْإِقَامَةَ فَامْشُوا وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ، وَلَا تُسْرِعُوا» .

وَلِأَنَّ الْمَاشِيَ إلَى الصَّلَاةِ فِي صَلَاةٍ، وَلَا يُشَبِّكُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، وَيُقَارِبُ بَيْنَ خُطَاهُ، لِتَكْثُرَ حَسَنَاتُهُ. وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>