للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ أَنْصِتْ، فَقَدْ لَغَوْتَ» فَخَصَّهُ بِوَقْتِ الْخُطْبَةِ.

وَقَالَ ثَعْلَبَةُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ: إنَّهُمْ كَانُوا فِي زَمَنِ عُمَرَ إذَا خَرَجَ عُمَرُ، وَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ، جَلَسُوا يَتَحَدَّثُونَ، حَتَّى إذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُونَ، وَقَامَ عُمَرُ سَكَتُوا، فَلَمْ يَتَكَلَّمْ أَحَدٌ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى شُهْرَةِ الْأَمْرِ بَيْنَهُمْ وَلِأَنَّ الْكَلَامَ إنَّمَا حَرُمَ لِأَجْلِ الْإِنْصَاتِ لِلْخُطْبَةِ، فَلَا وَجْهَ لِتَحْرِيمِهِ مَعَ عَدَمِهَا. وَقَوْلُهُمْ: لَا مُخَالِفَ لَهُمَا فِي الصَّحَابَةِ. قَدْ ذَكَرْنَا عَنْ عُمُومِهِمْ خِلَافَ هَذَا الْقَوْلِ.

[فَصْلٌ الْكَلَامُ فِي الْجَلْسَةِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ]

(١٣٣٠) فَصْلٌ: فَأَمَّا الْكَلَامُ فِي الْجَلْسَةِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَائِزًا؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ غَيْرُ خَاطِبٍ وَلَا مُتَكَلِّمٍ، فَأَشْبَهَ مَا قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا. وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُمْنَعَ مِنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَإِسْحَاقَ؛ لِأَنَّهُ سُكُوتٌ يَسِيرٌ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَتَيْنِ، أَشْبَهَ السُّكُوتَ لِلتَّنَفُّسِ.

[فَصْلٌ إذَا بَلَغَ الْخَطِيبُ إلَى الدُّعَاءِ فَهَلْ يُسَوَّغُ الْكَلَامُ]

(١٣٣١) فَصْلٌ: إذَا بَلَغَ الْخَطِيبُ إلَى الدُّعَاءِ، فَهَلْ يُسَوَّغُ الْكَلَامُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا، الْجَوَازُ، لِأَنَّهُ فَرَغَ مِنْ الْخُطْبَةِ، وَشَرَعَ فِي غَيْرِهَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ نَزَلَ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْخُطْبَةِ، فَيَثْبُتُ لَهُ مَا ثَبَتَ لَهَا، كَالتَّطْوِيلِ فِي الْمَوْعِظَةِ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ دُعَاءً مَشْرُوعًا، كَالدُّعَاءِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلِلْإِمَامِ الْعَادِلِ، أَنْصَتَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهِ لَمْ يَلْزَمْ الْإِنْصَاتُ؛ لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ.

[فَصْلٌ الْعَبَثُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ]

(١٣٣٢) فَصْلٌ: وَيُكْرَهُ الْعَبَثُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى فَقَدْ لَغَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَاللَّغْوُ: الْإِثْمُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون: ٣] وَلِأَنَّ الْعَبَثَ يَمْنَعُ الْخُشُوعَ وَالْفَهْمَ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَشْرَبَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، إنْ كَانَ مِمَّنْ يَسْمَعُ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ.

وَرَخَّصَ فِيهِ مُجَاهِدٌ، وَطَاوُسٌ، وَالشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَشْغَلُ عَنْ السَّمَاعِ.

وَلَنَا، أَنَّهُ فِعْلٌ يَشْتَغِلُ بِهِ، أَشْبَهَ مَسَّ الْحَصَى. فَأَمَّا إنْ كَانَ لَا يَسْمَعُ، فَلَا يُكْرَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَمِعُ، فَلَا يَشْتَغِلُ بِهِ.

[فَصْلٌ لَا تَتَصَدَّقْ عَلَى السُّؤَالِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ]

(١٣٣٣) فَصْلٌ: قَالَ أَحْمَدُ: لَا تَتَصَدَّقْ عَلَى السُّؤَالِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا لَا يَجُوزُ، فَلَا يُعِينُهُمْ عَلَيْهِ. قَالَ أَحْمَدُ: وَإِنْ حَصَبَهُ كَانَ أَعْجَبَ إلَيَّ، لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَأَى سَائِلًا يَسْأَلُ، وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَحَصَبَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>