للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جُمُعَةُ الْإِمَامِ، فَهِيَ صَحِيحَةٌ تَقَدَّمَتْ أَوْ تَأَخَّرَتْ، وَالْأُخْرَى بَاطِلَةٌ، لِأَنَّ فِي الْحُكْمِ بِبُطْلَانِ جُمُعَةِ الْإِمَامِ افْتِيَاتًا عَلَيْهِ، وَتَفْوِيتًا لَهُ الْجُمُعَةَ وَلِمَنْ يُصَلِّي مَعَهُ، وَيُفْضِي إلَى أَنَّهُ مَتَى شَاءَ أَرْبَعُونَ أَنْ يُفْسِدُوا صَلَاةَ أَهْلِ الْبَلَدِ أَمْكَنَهُمْ ذَلِكَ، بِأَنْ يَجْتَمِعُوا فِي مَوْضِعٍ، وَيَسْبِقُوا أَهْلَ الْبَلَدِ بِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ

وَقِيلَ: السَّابِقَةُ هِيَ الصَّحِيحَةُ، لِأَنَّهَا لَمْ يَتَقَدَّمْهَا مَا يُفْسِدُهَا، وَلَا تَفْسُدُ بَعْدَ صِحَّتِهَا بِمَا بَعْدَهَا. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، لِمَا ذَكَرْنَا. وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ وَالْأُخْرَى فِي مَكَان صَغِيرٍ لَا يَسَعُ الْمُصَلِّينً، أَوْ لَا يُمْكِنُهُمْ الصَّلَاةُ فِيهِ؛ لِاخْتِصَاصِ السُّلْطَانِ وَجُنْدِهِ بِهِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا فِي قَصَبَةِ الْبَلَدِ، وَالْآخَرُ فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ، كَانَ مَنْ وُجِدَتْ فِيهِ هَذِهِ الْمَعَانِي صَلَاتُهُمْ صَحِيحَةٌ دُونَ الْأُخْرَى.

وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: لَا أَرَى الْجُمُعَةَ إلَّا لِأَهْلِ الْقَصَبَةِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ لِهَذِهِ الْمَعَانِي مَزِيَّةً تَقْتَضِي التَّقْدِيمَ، فَقُدِّمَ بِهَا، كَجُمُعَةِ الْإِمَامِ.

وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَصِحَّ السَّابِقَةُ مِنْهُمَا دُونَ الْأُخْرَى، لِأَنَّ إذْنَ الْإِمَامِ آكَدُ، وَلِذَلِكَ اُشْتُرِطَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِإِحْدَاهُمَا مَزِيَّةٌ، لِكَوْنِهِمَا جَمِيعًا مَأْذُونًا فِيهِمَا، أَوْ غَيْرَ مَأْذُونٍ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، وَتَسَاوَى الْمَكَانَانِ فِي إمْكَانِ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَالسَّابِقَةُ هِيَ الصَّحِيحَةُ؛ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ بِشُرُوطِهَا، وَلَمْ يُزَاحِمْهَا مَا يُبْطِلُهَا، وَلَا سَبَقَهَا مَا يُغْنِي عَنْهَا، وَالثَّانِيَةُ بَاطِلَةٌ؛ لِكَوْنِهَا وَاقِعَةً فِي مِصْرٍ أُقِيمَتْ فِيهِ جُمُعَةٌ صَحِيحَةٌ، تُغْنِي عَمَّا سِوَاهَا

وَيُعْتَبَرُ السَّبْقُ بِالْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّهُ مَتَى أَحْرَمَ بِإِحْدَاهُمَا حَرُمَ الْإِحْرَامُ بِغَيْرِهَا؛ لِلْغِنَى عَنْهَا، فَإِنْ وَقَعَ الْإِحْرَامُ بِهِمَا مَعًا فَهُمَا بَاطِلَتَانِ مَعًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ صِحَّتُهُمَا مَعًا، وَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا بِالْفَسَادِ أَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى، فَبَطَلَتَا كَالْمُتَزَوِّجِ أُخْتَيْنِ، أَوْ إذَا زَوَّجَ الْوَلِيَّانِ رَجُلَيْنِ. وَإِنْ لَمْ تُعْلَم الْأَوْلَى مِنْهُمَا، أَوْ لَمْ يُعْلَمْ كَيْفِيَّةُ وُقُوعِهِمَا، بَطَلَتَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ إحْدَاهُمَا بَاطِلَةٌ، وَلَمْ تُعْلَمْ بِعَيْنِهَا، وَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا بِالْإِبْطَالِ أَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى، فَبَطَلَتَا كَالْمَسْأَلَتَيْنِ.

ثُمَّ إنْ عَلِمْنَا فَسَادَ الْجُمُعَتَيْنِ لِوُقُوعِهِمَا مَعًا، وَجَبَ إعَادَةُ الْجُمُعَةِ إنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ، لِبَقَاءِ الْوَقْتِ، لِأَنَّهُ مِصْرٌ مَا أُقِيمَتْ فِيهِ جُمُعَةٌ صَحِيحَةٌ، وَالْوَقْتُ مُتَّسِعٌ لِإِقَامَتِهَا فَلَزِمَتْهُمْ، كَمَا لَوْ لَمْ يُصَلُّوا شَيْئًا.

وَإِنْ تَيَقَّنَّا صِحَّةَ إحْدَاهُمَا لَا بِعَيْنِهَا، فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا إلَّا ظُهْرًا، لِأَنَّهُ مِصْرٌ تَيَقَّنَّا سُقُوطَ فَرْضِ الْجُمُعَةِ فِيهِ بِالْأَوْلَى مِنْهُمَا، فَلَمْ تَجُزْ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِيهِ، كَمَا لَوْ عَلِمْنَاهَا وَقَالَ الْقَاضِي: يَحْتَمِلُ أَنَّ لَهُمْ إقَامَةَ جُمُعَةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّنَا حَكَمْنَا بِفَسَادِهِمَا مَعًا، فَكَأَنَّ الْمِصْرَ مَا صُلِّيَتْ فِيهِ جُمُعَةٌ صَحِيحَةٌ.

وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَةَ لَمْ تَفْسُدْ، وَإِنَّمَا لَمْ يُمْكِنْ إثْبَاتُ حُكْمِ الصِّحَّةِ لَهَا بِعَيْنِهَا؛ لِجَهْلِهَا، فَيَصِيرُ هَذَا كَمَا لَوْ زَوَّجَ الْوَلِيَّانِ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ، وَجَهِلَ السَّابِقُ مِنْهُمَا، فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الصِّحَّةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ، وَثَبَتَ حُكْمُ النِّكَاحِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ، بِحَيْثُ لَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا آخَرَ

فَأَمَّا إنْ جَهِلْنَا كَيْفِيَّةَ وُقُوعِهِمَا، فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَجُوزَ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ أَيْضًا، لِأَنَّ الظَّاهِرَ صِحَّةُ إحْدَاهُمَا، لِأَنَّ وُقُوعَهُمَا مَعًا - بِحَيْثُ لَا يَسْبِقُ إحْرَامُ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى - بَعِيدٌ جِدًّا، وَمَا كَانَ فِي غَايَةِ النُّدْرَةِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَعْدُومِ، وَلِأَنَّنَا شَكَكْنَا فِي شَرْطِ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ، فَلَمْ يَجُزْ إقَامَتُهَا مَعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>