للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«قَالَ لِلْأَعْمَى الَّذِي قَالَ: لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي: أَتَسْمَعُ النِّدَاءَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَجِبْ» . وَلِأَنَّ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: ٩] .

وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَنَسٍ، وَالْحَسَنِ، وَنَافِعٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَالْحَكَمِ وَعَطَاءٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، أَنَّهُمْ قَالُوا: الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ آوَاهُ اللَّيْلُ إلَى أَهْلِهِ؛ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ آوَاهُ اللَّيْلُ إلَى أَهْلِهِ» . وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا جُمُعَةَ عَلَى مَنْ كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ؛ لِأَنَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَلَّى الْعِيدَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ، ثُمَّ قَالَ لِأَهْلِ الْعَوَالِي: مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْصَرِفَ فَلْيَنْصَرِفْ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ حَتَّى يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ فَلْيُقِمْ.

وَلِأَنَّهُمْ خَارِجُ الْمِصْرِ، فَأَشْبَهَ أَهْلَ الْحِلَلِ. وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: ٩] . وَهَذَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَ أَهْلِ الْمِصْرِ إذَا سَمِعُوا النِّدَاءَ، وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَلِأَنَّ غَيْرَ أَهْلِ الْمِصْرِ يَسْمَعُونَ النِّدَاءَ، وَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْجُمُعَةِ، فَلَزِمَهُمْ السَّعْيُ إلَيْهَا، كَأَهْلِ الْمِصْرِ.

وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ غَيْرُ صَحِيحٍ، يَرْوِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ: ذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، فَغَضِبَ، وَقَالَ: اسْتَغْفِرْ رَبَّكَ، اسْتَغْفِرْ رَبَّكَ. وَإِنَّمَا فَعَلَ أَحْمَدُ هَذَا، لِأَنَّهُ لَمْ يَرَ الْحَدِيثَ شَيْئًا لِحَالِ إسْنَادِهِ. قَالَ ذَلِكَ التِّرْمِذِيُّ. وَأَمَّا تَرْخِيصُ عُثْمَانَ لِأَهْلِ الْعَوَالِي فَلِأَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ عِيدَانِ اُجْتُزِئَ بِالْعِيدِ، وَسَقَطَتْ الْجُمُعَةُ عَمَّنْ حَضَرَهُ، عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ فِيمَا مَضَى.

وَأَمَّا اعْتِبَارُ أَهْلِ الْقُرَى بِأَهْلِ الْحِلَلِ فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْحِلَلِ غَيْرُ مُسْتَوْطِنِينَ، وَلَا هُمْ سَاكِنُونَ بِقَرْيَةٍ، وَلَا فِي مَوْضِعٍ جُعِلَ لِلِاسْتِيطَانِ.

وَأَمَّا اعْتِبَارُ حَقِيقَةِ النِّدَاءِ فَلَا يُمْكِنُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مِنْ النَّاسِ الْأَصَمُّ وَثَقِيلُ السَّمْعِ، وَقَدْ يَكُونُ النِّدَاءُ بَيْنَ يَدَيْ الْمِنْبَرِ، فَلَا يَسْمَعُهُ إلَّا مَنْ فِي الْجَامِعِ، وَقَدْ يَكُونُ الْمُؤَذِّنُ خَفِيَّ الصَّوْتِ، أَوْ فِي يَوْمٍ ذِي رِيحٍ، وَيَكُونُ الْمُسْتَمِعُ نَائِمًا أَوْ مَشْغُولًا بِمَا يَمْنَعُ السَّمَاعَ، فَلَا يَسْمَعُ، وَيَسْمَعُ مَنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ، فَيُفْضِي إلَى وُجُوبِهَا عَلَى الْبَعِيدِ دُونَ الْقَرِيبِ، وَمَا هَذَا سَبِيلُهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّرَ بِمِقْدَارٍ لَا يَخْتَلِفُ، وَالْمَوْضِعُ الَّذِي يُسْمَعُ مِنْهُ النِّدَاءُ فِي الْغَالِبِ - إذَا كَانَ الْمُنَادِي صَيِّتًا، فِي مَوْضِعٍ عَالٍ، وَالرِّيحُ سَاكِنَةٌ، وَالْأَصْوَاتُ هَادِئَةٌ، وَالْمُسْتَمِعُ سَمِيعٌ غَيْرُ سَاهٍ وَلَا لَاهٍ - فَرْسَخٌ، أَوْ مَا قَارَبَهُ، فَحُدَّ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(١٣٨٤) فَصْلٌ: وَأَهْلُ الْقَرْيَةِ لَا يَخْلُونَ مِنْ حَالَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمِصْرِ أَكْثَرُ مِنْ فَرْسَخٍ، أَوْ لَا، فَإِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>