للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَأَى قَوْمًا يُصَلُّونَ قَبْلَ الْعِيدِ، فَقَالَ: مَا كَانَ هَذَا يُفْعَلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَقَالَ أَحْمَدُ: أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَا يَتَطَوَّعُونَ قَبْلَهَا، وَلَا بَعْدَهَا، وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ يَتَطَوَّعُونَ قَبْلَهَا، وَبَعْدَهَا، وَأَهْلُ الْكُوفَةِ لَا يَتَطَوَّعُونَ قَبْلَهَا، وَيَتَطَوَّعُونَ بَعْدَهَا. وَهَذَا قَوْلُ عَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ، وَمُجَاهِدٍ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَالنَّخَعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَتَطَوَّعُ فِي الْمُصَلَّى قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا.

وَلَهُ فِي الْمَسْجِدِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا، يَتَطَوَّعُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ» . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُكْرَهُ التَّطَوُّعُ لِلْإِمَامِ دُونَ الْمَأْمُومِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّشَاغُلُ عَنْ الصَّلَاةِ، وَلَمْ يُكْرَهْ لِلْمَأْمُومِ، لِأَنَّهُ وَقْتٌ لَمْ يُنْهَ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهِ، أَشْبَهَ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ. وَلَنَا مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ يَوْمَ الْفِطْرِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهُمَا وَلَا بَعْدَهُمَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ نَحْوَهُ.

وَلِأَنَّهُ إجْمَاعٌ كَمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَغَيْرِهِ، وَنَهَى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ، وَرَوَوْا الْحَدِيثَ وَعَمِلُوا بِهِ، وَلِأَنَّهُ وَقْتٌ نُهِيَ الْإِمَامُ عَنْ التَّنَفُّلِ فِيهِ، فَكُرِهَ لِلْمَأْمُومِ، كَسَائِرِ أَوْقَاتِ النَّهْيِ، وَكَمَا قَبْلَ الصَّلَاةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَمَا لَوْ كَانَ فِي الْمُصَلَّى عِنْد مَالِكٍ. قَالَ الْأَثْرَمُ: قُلْت لِأَحْمَدَ: قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ: إنَّمَا تَرَكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّطَوُّعَ لِأَنَّهُ كَانَ إمَامًا.

قَالَ أَحْمَدُ: فَاَلَّذِينَ رَوَوْا هَذَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَتَطَوَّعُوا. ثُمَّ قَالَ ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، هُمَا رَاوِيَاهُ، وَأَخَذَا بِهِ. يُشِيرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إلَى أَنَّ عَمَلَ رَاوِي الْحَدِيثِ بِهِ تَفْسِيرٌ لَهُ، وَتَفْسِيرُهُ يُقَدَّمُ عَلَى تَفْسِيرِ غَيْرِهِ.

وَلَوْ كَانَتْ الْكَرَاهَةُ لِلْإِمَامِ كَيْ لَا يَشْتَغِلَ عَنْ الصَّلَاةِ، لَاخْتَصَّتْ بِمَا قَبْلَ الصَّلَاةِ، إذْ لَمْ يَبْقَ بَعْدَهَا مَا يَشْتَغِلُ بِهِ، وَلِأَنَّهُ تَنَفُّلٌ فِي الْمُصَلَّى وَقْتَ صَلَاةِ الْعِيدِ فَكُرِهَ، كَاَلَّذِي سَلَّمُوهُ، وَقِيَاسُهُمْ مُنْتَقِضٌ بِالْإِمَامِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يُكَبِّرُ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ سَبْعًا وَخَمْسًا، وَيَقُولُ: لَا صَلَاةَ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا» . حَكَى ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّ الْإِمَامَ ابْنَ بَطَّةَ رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ.

[فَصْل رَجُلٌ يُصَلِّي صَلَاة فِي وَقْت الْعِيد]

(١٤٢٣) فَصْلٌ: قِيلَ لِأَحْمَدَ: فَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُصَلِّي صَلَاةً فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ؟ قَالَ: أَخَافُ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ بَعْضُ مَنْ يَرَاهُ. يَعْنِي لَا يُصَلِّي. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَكَرِهَ أَحْمَدُ أَنْ يَتَعَمَّدَ لِقَضَاءِ، صَلَاةٍ، وَقَالَ: أَخَافُ أَنْ يَقْتَدُوا بِهِ (١٤٢٤) .

فَصْلٌ: وَإِنَّمَا يُكْرَهُ التَّنَفُّلُ فِي مَوْضِعِ الصَّلَاةِ، فَأَمَّا فِي غَيْرِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ خَرَجَ مِنْهُ، ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَلَا بَأْسَ بِالتَّطَوُّعِ فِيهِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ: سَمِعْت أَبِي يَقُولُ: رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا» . وَرَأَيْتُهُ يُصَلِّي بَعْدَهَا رَكَعَاتٍ فِي الْبَيْتِ، وَرُبَّمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>