للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مَسْأَلَةٌ خَافَ وَهُوَ مُقِيم أَنَّ يُصَلِّي]

(١٤٤٧) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِنْ خَافَ وَهُوَ مُقِيمٌ، صَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، وَأَتَمَّتْ الطَّائِفَةُ الْأُولَى بِالْحَمْدُ لِلَّهِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَالطَّائِفَةُ الْأُخْرَى تُتِمُّ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُورَةٍ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ جَائِزَةٌ فِي الْحَضَرِ، إذَا اُحْتِيجَ إلَى ذَلِكَ بِنُزُولِ الْعَدُوِّ قَرِيبًا مِنْ الْبَلَدِ. وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ.

وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ فِي الْحَضَرِ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ إنَّمَا دَلَّتْ عَلَى صَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ، وَصَلَاةُ الْحَضَرِ أَرْبَعًا، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَفْعَلْهَا فِي الْحَضَرِ. وَخَالَفَهُ أَصْحَابُهُ، فَقَالُوا كَقَوْلِنَا. وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} [النساء: ١٠٢] الْآيَةُ، وَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ حَالٍ، وَتَرْكُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِعْلَهَا فِي الْحَضَرِ إنَّمَا كَانَ لِغِنَاهُ عَنْ فِعْلِهَا فِي الْحَضَرِ.

وَقَوْلُهُمْ: إنَّمَا دَلَّتْ الْآيَةُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ. قُلْنَا: وَقَدْ يَكُونُ فِي الْحَضَرِ رَكْعَتَانِ، الصُّبْحُ وَالْجُمُعَةُ، وَالْمَغْرِبُ ثَلَاثٌ، وَيَجُوزُ فِعْلُهَا فِي الْخَوْفِ فِي السَّفَرِ، وَلِأَنَّهَا حَالَةُ خَوْفٍ، فَجَازَتْ فِيهَا صَلَاةُ الْخَوْفِ كَالسَّفَرِ، فَإِذَا صَلَّى بِهِمْ الرُّبَاعِيَّةَ صَلَاةَ الْخَوْفِ، فَرَّقَهُمْ فِرْقَتَيْنِ، فَصَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، وَهَلْ تُفَارِقُهُ الطَّائِفَةُ الْأُولَى فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، أَوْ حِينَ يَقُومُ إلَى الثَّالِثَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا، حِينَ قِيَامِهِ إلَى الثَّالِثَةِ.

وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى التَّطْوِيلِ مِنْ أَجْلِ الِانْتِظَارِ، وَالتَّشَهُّدُ يُسْتَحَبُّ تَخْفِيفُهُ، وَلِذَلِكَ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ كَأَنَّهُ عَلَى الرَّضْفِ حَتَّى يَقُومَ. وَلِأَنَّ ثَوَابَ الْقَائِمِ أَكْثَرُ، وَلِأَنَّهُ إذَا انْتَظَرَهُمْ جَالِسًا، فَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ، فَإِنَّهُ يَقُومُ قَبْل إحْرَامِهِمْ، فَلَا يَحْصُلُ اتِّبَاعُهُمْ لَهُ فِي الْقِيَامِ.

وَالثَّانِي، فِي التَّشَهُّدِ؛ لِتُدْرِكْ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ جَمِيعَ الرَّكْعَةِ الثَّالِثَة، وَلِأَنَّ الِانْتِظَارَ فِي الْجُلُوسِ أَخَفُّ عَلَى الْإِمَامِ، وَلِأَنَّهُ مَتَى انْتَظَرَهُمْ قَائِمًا احْتَاجَ إلَى قِرَاءَةِ السُّورَةِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ، وَهُوَ خِلَافُ السُّنَّةِ. وَأَيًّا مَا فَعَلَ كَانَ جَائِزًا.

وَإِذَا جَلَسَ الْإِمَامُ لِلتَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ، جَلَسَتْ الطَّائِفَةُ مَعَهُ، فَتَشَهَّدَتْ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ، وَقَامَتْ وَهُوَ جَالِسٌ فَأَتَمَّتْ صَلَاتَهَا، وَتَقْرَأُ فِي كُلّ رَكْعَةٍ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُورَةٍ؛ لِأَنَّ مَا تَقْضِيهِ أَوَّلُ صَلَاتِهَا، وَلِأَنَّهَا لَمْ يَحْصُلْ لَهَا مَعَ الْإِمَامِ قِرَاءَةُ السُّورَةِ. وَيُطَوِّلُ الْإِمَامُ التَّشَهُّدَ وَالدُّعَاءَ حَتَّى تُصَلِّيَ الرَّكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ بِهِمْ.

فَأَمَّا الطَّائِفَةُ الْأُولَى، فَإِنَّمَا تَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ مُفَارَقَةِ إمَامِهَا الْفَاتِحَةَ وَحْدَهَا، لِأَنَّهَا آخِرُ صَلَاتِهَا. وَقَدْ قَرَأَ إمَامُهَا بِهَا السُّورَةَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ مَا تَقْضِيهِ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ أَوَّلُ صَلَاتِهَا، فَعَلَى هَذَا تَسْتَفْتِحُ إذَا فَارَقَتْ إمَامَهَا، وَتَسْتَعِيذُ، وَتَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً.

وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ آخِرُ صَلَاتِهَا، وَمُقْتَضَاهُ أَلَّا تَسْتَفْتِحَ وَلَا تَسْتَعِيذَ وَلَا تَقْرَأَ السُّورَةَ. وَعَلَى كُلِّ حَالٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>