للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمَّا الرِّوَايَةُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ صَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، وَلَمْ يَذْكُرْ قَضَاءً، ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهَا: وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ. وَأَمَّا قَوْلُ أَحْمَدَ، فَإِنَّهُ قَالَ: سِتَّةُ أَوْجُهٍ أَوْ سَبْعَةٌ، يُرْوَى فِيهَا، كُلُّهَا جَائِزٌ. وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ لَا تَكُونُ سِتَّةً وَلَا خَمْسَةً. وَلِأَنَّهُ قَالَ: كُلُّ حَدِيثٍ يُرْوَى فِي أَبْوَابِ صَلَاةِ الْخَوْفِ فَهُوَ جَائِزٌ. وَهَذَا مُخَالِفٌ لِهَذَا التَّأْوِيلِ. وَأَمَّا فَسَادُ الْمَحْمَلِ، فَإِنَّ الْخَوْفَ يَقْتَضِي تَخْفِيفَ الصَّلَاةِ وَقَصْرَهَا، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: ١٠١] .

وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ يَجْعَلُ مَكَانَ الرَّكْعَتَيْنِ أَرْبَعًا. وَيُتِمُّ الصَّلَاةَ الْمَقْصُورَةَ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَتَمَّ صَلَاةَ السَّفَرِ، فَكَيْفَ يُحْمَلُ هَاهُنَا عَلَى أَنَّهُ أَتَمَّهَا، فِي مَوْضِعٍ وُجِدَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي التَّخْفِيفَ.

(١٤٥٦) فَصْلٌ: الْوَجْهُ السَّادِسُ، أَنْ يُصَلِّيَ بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً، وَلَا تَقْضِي شَيْئًا؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذِي قَرَدٍ صَلَاةَ الْخَوْفِ، وَالْمُشْرِكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، فَصَفَّ صَفًّا خَلْفَهُ، وَصَفًّا مُوَازِيَ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً، ثُمَّ ذَهَبَ هَؤُلَاءِ إلَى مَصَافِّ هَؤُلَاءِ، وَرَجَعَ هَؤُلَاءِ إلَى مَصَافِّ هَؤُلَاءِ، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ، فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكْعَتَانِ، وَكَانَتْ لَهُمْ رَكْعَةٌ رَكْعَةٌ.» رَوَاهُ. الْأَثْرَمُ

وَعَنْ حُذَيْفَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى صَلَاةَ الْخَوْفِ بِهَؤُلَاءِ رَكْعَةً، وَبِهَؤُلَاءِ رَكْعَةً، وَلَمْ يَقْضُوا شَيْئًا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ. رَوَاهُنَّ الْأَثْرَمُ. وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو دَاوُد، فِي " السُّنَنِ "، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٍ. قَالَ: إنَّمَا الْقَصْرُ رَكْعَةٌ عِنْدَ الْقِتَالِ.

وَقَالَ طَاوُسٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ، وَالْحَكَمُ كَذَا يَقُولُونَ: رَكْعَةً فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ، يُومِئُ إيمَاءً. وَقَالَ إِسْحَاقُ: يُجْزِئُكَ عِنْدَ الشِّدَّةِ رَكْعَةٌ، تُومِئُ إيمَاءً، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَسَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَتَكْبِيرَةٌ، لِأَنَّهَا ذِكْرٌ لِلَّهِ تَعَالَى. وَعَنْ الضَّحَّاكِ، أَنَّهُ قَالَ: رَكْعَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ كَبَّرَ تَكْبِيرَةً حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ.

فَهَذِهِ الصَّلَاةُ يَقْتَضِي عُمُومُ كَلَامِ أَحْمَدَ جَوَازَهَا؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ سِتَّةَ أَوْجُهٍ، وَلَا أَعْلَمُ وَجْهًا سَادِسًا سِوَاهَا، وَأَصْحَابُنَا يُنْكِرُونَ ذَلِكَ. قَالَ الْقَاضِي: لَا تَأْثِيرَ لِلْخَوْفِ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ. وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْل الْعِلْمِ؛ مِنْهُمْ ابْنُ عُمَرَ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ وَسَائِرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ، لَا يُجِيزُونَ رَكْعَةً، وَاَلَّذِي قَالَ مِنْهُمْ رَكْعَةً، إنَّمَا جَعَلَهَا عِنْدَ شِدَّةِ الْقِتَالِ

وَاَلَّذِينَ رَوَيْنَا عَنْهُمْ صَلَاةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْثَرُهُمْ لَمْ يَنْقُصُوا عَنْ رَكْعَتَيْنِ، وَابْنُ عَبَّاسٍ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَحْضُرُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزَوَاتِهِ، وَلَا يَعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا بِالرِّوَايَةِ عَنْ غَيْرِهِ، فَالْأَخْذُ بِرِوَايَةِ مَنْ حَضَرَ الصَّلَاةَ وَصَلَّاهَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>