للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْل الْمُبَالَغَةُ مُسْتَحَبَّةٌ فِي سَائِرِ أَعْضَاء الْوُضُوء]

(١٣٣) فَصْلٌ: الْمُبَالَغَةُ مُسْتَحَبَّةٌ فِي سَائِرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَسْبِغْ الْوُضُوءَ.» وَالْمُبَالَغَةُ فِي الْمَضْمَضَةِ إدَارَةُ الْمَاءِ فِي أَعْمَاقِ الْفَمِ وَأَقَاصِيهِ وَأَشْدَاقِهِ، وَلَا يَجْعَلُهُ وَجُورًا لَمْ يَمُجَّهُ، وَإِنْ ابْتَلَعَهُ جَازَ؛ لِأَنَّ الْغَسْلَ قَدْ حَصَلَ. وَالْمُبَالَغَةُ فِي سَائِرِ الْأَعْضَاءِ بِالتَّخْلِيلِ، وَبِتَتَبُّعِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَنْبُو عَنْهَا الْمَاءُ بِالدَّلْكِ وَالْعَرْكِ وَمُجَاوَزَةِ مَوْضِعِ الْوُجُوبِ بِالْغَسْلِ. وَقَدْ رَوَى نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، «أَنَّهُ رَأَى أَبَا هُرَيْرَةَ يَتَوَضَّأُ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ حَتَّى كَادَ أَنْ يَبْلُغَ الْمَنْكِبَيْنِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ حَتَّى رَفَعَ إلَى السَّاقَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: إنَّ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ، فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَرَوَى أَبُو حَازِمٍ عَنْهُ قَرِيبًا مِنْ هَذَا، وَقَالَ: سَمِعْت خَلِيلِي يَقُولُ: «تَبْلُغُ الْحِلْيَةُ مِنْ الْمُؤْمِنِ حَيْثُ يَبْلُغُ الْوُضُوءُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

[مَسْأَلَة تَخْلِيلُ اللِّحْيَة]

(١٣٤) مَسْأَلَةٌ قَالَ: وَتَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ وَجُمْلَةُ ذَلِكَ: أَنَّ اللِّحْيَةَ إنْ كَانَتْ خَفِيفَةً تَصِفُ الْبَشَرَةَ وَجَبَ غَسْلُ بَاطِنِهَا. وَإِنْ كَانَتْ كَثِيفَةً لَمْ يَجِبْ غَسْلُ مَا تَحْتَهَا، وَيُسْتَحَبُّ تَخْلِيلُهَا. وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ: ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَالْحَسَنُ، وَأَنَسُ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَعَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ.

وَقَالَ إِسْحَاقُ: إذَا تَرَكَ تَخْلِيلَ لِحْيَتِهِ عَامِدًا أَعَادَ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ.» رَوَاهُ عَنْهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانِ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: هَذَا أَصَحُّ حَدِيثٍ فِي الْبَابِ.

وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ أَنَسٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا تَوَضَّأَ أَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَأَدْخَلَهُ تَحْتَ حَنَكِهِ وَقَالَ: هَكَذَا أَمَرَنِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ.» وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا تَوَضَّأَ عَرَكَ عَارِضَيْهِ بَعْضَ الْعَرْكِ، ثُمَّ شَبَكَ لِحْيَتَهُ بِأَصَابِعِهِ مِنْ تَحْتِهَا.» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.

وَقَالَ عَطَاءٌ وَأَبُو ثَوْرٍ: يَجِبُ غَسْلُ بَاطِنِ شُعُورِ الْوَجْهِ وَإِنْ كَانَ كَثِيفًا كَمَا يَجِبُ فِي الْجَنَابَةِ؛ وَلِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِغَسْلِ الْوَجْهِ فِي الْوُضُوءِ كَمَا أُمِرَ بِغَسْلِهِ فِي الْجَنَابَةِ، فَمَا وَجَبَ فِي أَحَدِهِمَا وَجَبَ فِي الْآخَرِ مِثْلُهُ. وَمَذْهَبُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجِبُ، وَلَا يَجِبُ التَّخْلِيلُ؛ وَمِمَّنْ رَخَّصَ فِي تَرْكِ التَّخْلِيلِ ابْنُ عُمَرَ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، وَطَاوُسٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ، وَمُجَاهِدٌ، وَأَبُو الْقَاسِمِ، وَمُحَمَّدُ

<<  <  ج: ص:  >  >>