للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ يَنْبَغِي لِلْغَاسِلِ وَلِمَنْ حَضَرَ إذَا رَأَى مِنْ الْمَيِّت شَيْئًا التَّحَدُّث بِهِ]

(١٥٠١) فَصْلٌ: وَيَنْبَغِي لِلْغَاسِلِ، وَلِمَنْ حَضَرَ، إذَا رَأَى مِنْ الْمَيِّتِ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ وَمِمَّا يُحِبُّ الْمَيِّتُ سَتْرَهُ، أَنْ يَسْتُرَهُ، وَلَا يُحَدِّثَ بِهِ؛ لِمَا رَوَيْنَاهُ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ سَتَرَ عَوْرَةَ مُسْلِمٍ، سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» . وَإِنْ رَأَى حَسَنًا مِثْلَ أَمَارَاتِ الْخَيْرِ، مِنْ وَضَاءَةِ الْوَجْهِ، وَالتَّبَسُّمِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، اُسْتُحِبَّ إظْهَارُهُ، لِيَكْثُرَ التَّرَحُّمُ عَلَيْهِ، وَيَحْصُلَ الْحَثُّ عَلَى مِثْلِ طَرِيقَتِهِ، وَالتَّشَبُّهُ بِجَمِيلِ سِيرَتِهِ.

قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ مَغْمُوصًا عَلَيْهِ فِي الدِّينِ وَالسُّنَّةِ، مَشْهُورًا بِبِدْعَتِهِ، فَلَا بَأْسَ بِإِظْهَارِ الشَّرِّ عَلَيْهِ، لِتُحْذَرَ طَرِيقَتُهُ. وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكْتُمَ مَا يَرَى عَلَيْهِ مِنْ أَمَارَاتِ الْخَيْرِ؛ لِئَلَّا يَغْتَرَّ مُغْتَرٌّ بِذَلِكَ، فَيَقْتَدِيَ بِهِ فِي بِدْعَتِهِ. (١٥٠٢) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَتُلَيَّنُ مَفَاصِلُهُ إنْ سَهُلَتْ عَلَيْهِ، وَإِلَّا تَرَكَهَا) مَعْنَى تَلْيِينِ الْمَفَاصِل هُوَ أَنْ يَرُدَّ ذِرَاعَيْهِ إلَى عَضُدَيْهِ، وَعَضُدَيْهِ إلَى جَنْبَيْهِ، ثُمَّ يَرُدَّهُمَا، وَيَرُدّ سَاقَيْهِ إلَى فَخِذَيْهِ، وَفَخِذَيْهِ، إلَى بَطْنِهِ، ثُمَّ يَرُدُّهَا، لِيَكُونَ ذَلِكَ أَبْقَى لِلِينِهِ، فَيَكُون ذَلِكَ أَمْكَنَ لِلْغَاسِلِ، مِنْ تَكْفِينِهِ، وَتَمْدِيدِهِ، وَخَلْعِ ثِيَابِهِ، وَتَغْسِيلِهِ.

قَالَ أَصْحَابُنَا: وَيُسْتَحَبُّ ذَلِكَ فِي مَوْضِعَيْنِ، عَقِيبَ مَوْتِهِ قَبْلَ قَسْوَتِهَا بِبُرُودَتِهِ، وَإِذَا أَخَذَ فِي غُسْلِهِ. وَإِنْ شَقَّ ذَلِكَ لِقَسْوَةِ الْمَيِّتِ أَوْ غَيْرِهَا، تَرَكَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ تَنْكَسِرَ أَعْضَاؤُهُ، وَيَصِيرَ بِهِ ذَلِكَ إلَى الْمُثْلَةِ.

[مَسْأَلَةٌ كَيْفِيَّة غَسَلَ الْمَيِّت]

(١٥٠٣) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ (وَيَلُفُّ عَلَى يَدِهِ خِرْقَةً، فَيُنَقِّي مَا بِهِ مِنْ نَجَاسَةٍ، وَيَعْصِرُ بَطْنَهُ عَصْرًا رَفِيقًا) وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُغَسَّلَ الْمَيِّتُ عَلَى سَرِيرٍ، يُتْرَكُ عَلَيْهِ مُتَوَجِّهًا إلَى الْقِبْلَةِ مُنْحَدِرًا نَحْوَ رِجْلَيْهِ، لِيَنْحَدِرَ الْمَاءُ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهُ، وَلَا يَرْجِعَ إلَى جِهَةِ رَأْسِهِ، وَيَبْدَأُ الْغَاسِلُ، فَيَحْنِي الْمَيِّتَ حَنْيًا رَفِيقًا، لَا يَبْلُغُ بِهِ قَرِيبًا مِنْ الْجُلُوسِ، لِأَنَّ فِي الْجُلُوسِ أَذِيَّةً لَهُ، ثُمَّ يُمِرُّ يَدَهُ عَلَى بَطْنِهِ، يَعْصِرُهُ عَصْرًا رَفِيقًا؛ لِيُخْرِج مَا مَعَهُ مِنْ نَجَاسَةٍ، لِئَلَّا يَخْرُجَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَيَصُبُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ حِينَ يُمِرُّ يَدَهُ صَبًّا كَثِيرًا، لِيُخْفِيَ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ، وَيَذْهَبُ بِهِ الْمَاءُ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ بِقُرْبِهِ مِجْمَرٌ فِيهِ بَخُورٌ حَتَّى لَا يَظْهَرَ مِنْهُ رِيحٌ.

وَقَالَ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَعْصِرُ بَطْنَ الْمَيِّتِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى، وَلَكِنْ فِي الثَّانِيَةِ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: يَعْصِرُ بَطْنَهُ فِي الثَّالِثَةِ، يَمْسَحُ مَسْحًا رَفِيقًا مَرَّةً وَاحِدَةً. وَقَالَ أَيْضًا: عَصْرُ بَطْنِ الْمَيِّتِ فِي الثَّانِيَةِ أَمْكَنُ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَلِينُ حَتَّى يُصِيبَهُ الْمَاءُ.

وَيَلُفُّ الْغَاسِلُ عَلَى يَدِهِ خِرْقَةً خَشِنَةً، فَيُنْجِيهِ بِهَا؛ لِئَلَّا يَمَسَّ عَوْرَتَهُ، لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى الْعَوْرَةِ حَرَامٌ، فَاللَّمْسُ أَوْلَى، وَيُزِيلُ مَا عَلَى بَدَنِهِ مِنْ نَجَاسَةٍ؛ لِأَنَّ الْحَيَّ يَبْدَأُ بِذَلِكَ فِي اغْتِسَالِهِ مِنْ الْجَنَابَةِ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَمَسَّ بَقِيَّةَ بَدَنِهِ إلَّا بِخِرْقَةٍ.

قَالَ الْقَاضِي: يُعِدُّ الْغَاسِلُ خِرْقَتَيْنِ، يَغْسِلُ بِإِحْدَاهُمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>