للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلتَّنْظِيفِ، وَالْمُعَدُّ لِلتَّنْظِيفِ إنَّمَا هُوَ الْمَطْحُونُ، وَلِهَذَا لَا يَسْتَعْمِلُهُ الْمُغْتَسِلُ بِهِ مِنْ الْأَحْيَاءِ إلَّا كَذَلِكَ. قَالَ أَبُو دَاوُد: قُلْت لِأَحْمَدَ إنَّهُمْ يَأْتُونَ بِسَبْعِ وَرَقَاتٍ مِنْ سِدْرٍ، فَيُلْقُونَهَا فِي الْمَاءِ فِي الْغَسْلَةِ الْأَخِيرَةِ.

فَأَنْكَرَ ذَلِكَ، وَلَمْ يُعْجِبْهُ، وَإِذَا فَرَغَ مِنْ الْغَسْلَةِ الثَّالِثَةِ لَمْ يُمِرَّ يَدَهُ عَلَى بَطْنِ الْمَيِّتِ، لِئَلَّا يَخْرُجَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَيَقَعَ فِي أَكْفَانِهِ. قَالَ أَحْمَدُ: وَيُوَضَّأُ الْمَيِّتُ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الْغَسْلَةِ الْأُولَى. وَمَا سَمِعْنَا إلَّا أَنَّهُ يُوَضَّأُ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ، وَمَتَى خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ، أَعَادَ وُضُوءَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ مِنْ الْحَيِّ وَيُوجِبُهُ، وَإِنْ رَأَى الْغَاسِلُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى ثَلَاثٍ، لِكَوْنِهِ لَمْ يُنَقَّ بِهَا، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، غَسَلَهُ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا، وَلَمْ يَقْطَعْ إلَّا عَلَى وِتْرٍ.

قَالَ أَحْمَدُ وَلَا يُزَادُ عَلَى سَبْعٍ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ سَبْعًا» لَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ وَجَعَلَ جَمِيعَ مَا أَمَرَ بِهِ وَتْرًا وَقَالَ أَيْضًا: " اغْسِلْنَهَا وِتْرًا " وَإِنْ لَمْ يُنَقَّ بِسَبْعٍ فَالْأَوْلَى غَسْلُهُ حَتَّى يُنَقَّى، وَلَا يُقْطَعُ إلَّا عَلَى وَتْرٍ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إنْ رَأَيْتُنَّ ". وَلِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الثَّلَاثِ إنَّمَا كَانَتْ لِلْإِنْقَاءِ، وَلِلْحَاجَةِ إلَيْهَا، فَكَذَلِكَ فِيمَا بَعْدَ السَّبْعِ. وَلَمْ يَذْكُرْ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ يَزِيدُ عَلَى سَبْعٍ.

[مَسْأَلَةٌ خَرَجَتْ نَجَاسَة مِنْ قَبْل الْمَيِّت أَوْ دُبْره وَهُوَ عَلَى مُغْتَسَله بَعْد الثَّلَاث]

(١٥١١) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: " فَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ غَسَلَهُ إلَى خَمْسٍ، فَإِنْ زَادَ فَإِلَى سَبْعٍ " يَعْنِي إنْ خَرَجَتْ نَجَاسَةٌ مِنْ قُبُلِهِ أَوْ دُبُرِهِ، وَهُوَ عَلَى مُغْتَسَلِهِ بَعْدَ الثَّلَاثِ، غَسَلَهُ إلَى خَمْسٍ، فَإِنْ خَرَجَ بَعْدَ الْخَامِسَةِ، غَسَلَهُ إلَى سَبْعٍ وَيُوَضِّئُهُ فِي الْغَسْلَةِ الَّتِي تَلِي خُرُوجَ النَّجَاسَةِ. قَالَ صَالِحٌ: قَالَ أَبِي: يُوَضَّأُ الْمَيِّتُ مَرَّةً وَاحِدَةً، إلَّا أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ شَيْءٌ، فَيُعَادُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ، وَيَغْسِلُهُ إلَى سَبْعٍ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ، وَإِسْحَاقَ.

وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّهُ يَغْسِلُ مَوْضِعَ النَّجَاسَةِ، وَيُوَضَّأُ، وَلَا يَجِبُ إعَادَةُ غُسْلِهِ. وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَمَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ خُرُوجَ النَّجَاسَةِ مِنْ الْحَيِّ بَعْدَ غُسْلِهِ لَا يُبْطِلُهُ، فَكَذَلِكَ الْمَيِّتُ. وَعَنْ الشَّافِعِيَّ كَالْمَذْهَبَيْنِ. وَلَنَا، أَنَّ الْقَصْدَ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ أَنْ يَكُونَ خَاتِمَةُ أَمْرِهِ الطَّهَارَةَ الْكَامِلَةَ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَوْتَ جَرَى مَجْرَى زَوَالِ الْعَقْلِ فِي حَقِّ الْحَيِّ، وَقَدْ أُوجِبَ الْغُسْلُ فِي حَقِّ الْحَيِّ، فَكَذَلِكَ هَذَا، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا، إنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ، بِمَاءٍ وَسِدْرٍ» .

(١٥١٢) فَصْلٌ: وَإِنْ خَرَجَتْ مِنْهُ نَجَاسَةٌ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ. فَقَالَ أَحْمَدُ فِيمَا رَوَى أَبُو دَاوُد: الدَّمُ أَسْهَلُ مِنْ الْحَدَثِ. وَمَعْنَاهُ أَنَّ الدَّمَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ أَنْفِهِ أَسْهَلُ مِنْ الْحَدَثِ فِي أَنْ لَا يُعَادَ لَهُ الْغُسْلُ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ بِالِاتِّفَاقِ، وَيُسَوَّى بَيْنَ كَثِيرِهِ وَقَلِيلِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ الْغُسْلَ لَا يُعَادُ مِنْ يَسِيرِهِ، كَمَا لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، بِخِلَافِ الْخَارِجِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>