للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، أَنْ يَصُفَّ الرِّجَالَ صَفًّا وَالنِّسَاءَ صَفًّا، وَيَجْعَلَ وَسَطَ النِّسَاءِ عِنْدَ صُدُورِ الرِّجَالِ. وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي الْخَطَّابِ؛ لِيَكُونَ مَوْقِفُ الْإِمَامِ عِنْدَ صَدْرِ الرَّجُلِ وَوَسَطِ الْمَرْأَةِ. وَقَالَ سَعِيدٌ: حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ الدِّمَشْقِيُّ.

قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: رَأَيْتُ وَاثِلَةَ بْنَ الْأَسْقَعِ يُصَلِّي عَلَى جَنَائِزِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إذَا اجْتَمَعَتْ، فَيَصُفُّ الرِّجَالَ صَفًّا، ثُمَّ يَصُفُّ النِّسَاءَ خَلْفَ الرِّجَالِ، رَأْسُ أَوَّلِ امْرَأَةٍ يَضَعُهَا عِنْدَ رُكْبَةِ آخِرِ الرِّجَالِ، ثُمَّ يَصُفُّهُنَّ، ثُمَّ يَقُومُ وَسَطَ الرِّجَالِ، وَإِذَا كَانُوا رِجَالًا كُلُّهُمْ صَفَّهُمْ، ثُمَّ قَامَ وَسَطَهُمْ. وَهَذَا يُشْبِهُ مَذْهَبَ مَالِكٍ، وَقَوْلَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ.

وَمَا ذَكَرْنَاهُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مَدْلُولٌ عَلَيْهِ بِفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ خَالَفَ فِعْلَهُ أَوْ قَوْلَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَةٌ لَا يُصَلَّى عَلَى الْقَبْرِ بَعْدَ شَهْرٍ]

مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلَا يُصَلَّى عَلَى الْقَبْرِ بَعْدَ شَهْرٍ) . وَبِهَذَا قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُصَلَّى عَلَيْهِ أَبَدًا وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَلَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ بَعْدَ ثَمَانِي سِنِينَ. حَدِيثٌ صَحِيحٌ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُصَلَّى عَلَيْهِ مَا لَمْ يَبْلَ جَسَدُهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُصَلِّي عَلَيْهِ الْوَلِيُّ إلَى ثَلَاثٍ، وَلَا يُصَلِّي عَلَيْهِ غَيْرُهُ بِحَالٍ. وَقَالَ إِسْحَاقُ: يُصَلِّي عَلَيْهِ الْغَائِبُ إلَى شَهْرٍ، وَالْحَاضِرُ إلَى ثَلَاثٍ.

وَلَنَا، مَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ «، أَنَّ أُمَّ سَعْدٍ مَاتَتْ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَائِبٌ، فَلَمَّا قَدِمَ صَلَّى عَلَيْهَا، وَقَدْ مَضَى لِذَلِكَ شَهْرٌ.» أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ.

وَقَالَ أَحْمَدُ: أَكْثَرُ مَا سَمِعْنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَلَى قَبْرِ أُمِّ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ بَعْدَ شَهْرٍ. وَلِأَنَّهَا مُدَّةٌ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ بَقَاءُ الْمَيِّتِ فِيهَا، فَجَازَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ فِيهَا، كَمَا قَبْلَ الثَّلَاثِ، وَكَالْغَائِبِ، وَتَجْوِيزُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ مُطْلَقًا بَاطِلٌ بِقَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ الْآنَ اتِّفَاقًا، وَكَذَلِكَ التَّحْدِيدُ بِبِلَى الْمَيِّتِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَبْلَى، وَلَا يُصَلَّى عَلَى قَبْرِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَالْخَبَرُ دَلَّ عَلَى الْجَوَازِ بَعْدَ شَهْرٍ، فَكَيْفَ مَنَعْتُمُوهُ؟ قُلْنَا: تَحْدِيدُهُ بِالشَّهْرِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ عِنْدَ رَأْسِهِ، لِيَكُونَ مُقَارِبًا لِلْحَدِّ، وَتَجُوزُ الصَّلَاةُ بَعْدَ الشَّهْرِ قَرِيبًا مِنْهُ؛ لِدَلَالَةِ الْخَبَرِ عَلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ بَعْدَ ذَلِكَ لِعَدَمِ وُرُودِهِ.

[مَسْأَلَةٌ تَشَاحَّ الْوَرَثَةُ فِي الْكَفَنِ]

(١٦١٤) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِذَا تَشَاحَّ الْوَرَثَةُ فِي الْكَفَنِ، جُعِلَ بِثَلَاثِينَ دِرْهَمًا، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا فَبِخَمْسِينَ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَحْسِينُ كَفَنِ الْمَيِّتِ، بِدَلِيلِ مَا رَوَى مُسْلِمٌ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ قُبِضَ، فَكُفِّنَ فِي كَفَنٍ غَيْرِ طَائِلٍ، فَقَالَ: «إذَا كَفَّنَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، فَلْيُحْسِنْ كَفَنَهُ» . وَيُسْتَحَبُّ تَكْفِينُهُ فِي الْبَيَاضِ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضَ؛ فَإِنَّهُ أَطْهَرُ وَأَطْيَبُ، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ» . رَوَاهُ النَّسَائِيّ.

وَكُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ سَحُولِيَّةٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>