للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[كِتَابُ الزَّكَاةِ] [فَصْلٌ أَنْكَرَ وُجُوبَ الزَّكَاة جَهْلًا بِهِ]

قَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ قُتَيْبَةَ: الزَّكَاةُ مِنْ الزَّكَاءِ وَالنَّمَاءِ وَالزِّيَادَةِ؛ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُثْمِرُ الْمَالَ وَتُنَمِّيه. يُقَالُ: زَكَا الزَّرْعُ، إذَا كَثُرَ رَيْعُهُ. وَزَكَّتْ النَّفَقَةُ، إذَا بُورِكَ فِيهَا. وَهِيَ فِي الشَّرِيعَةِ حَقٌّ يَجِبُ فِي الْمَالِ، فَعِنْدَ إطْلَاقِ لَفْظِهَا فِي مَوَارِدِ الشَّرِيعَةِ يَنْصَرِفُ إلَى ذَلِكَ. وَالزَّكَاةُ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ الْخَمْسَةِ، وَهِيَ وَاجِبَةٌ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، وَإِجْمَاعِ أُمَّتِهِ؛ أَمَّا الْكِتَابُ، فَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: ٤٣] . وَأَمَّا السُّنَّةُ، «فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ مُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ، فَقَالَ: أَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

فِي آيٍ وَأَخْبَارٍ سِوَى هَذَيْنِ كَثِيرَةٍ. وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ عَلَى وُجُوبهَا، وَاتَّفَقَ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَلَى قِتَالِ مَانِعِيهَا، فَرَوَى الْبُخَارِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ، وَكَفَرَ مِنْ كَفَرَ مِنْ الْعَرَبِ، فَقَالَ عُمَرُ: كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَمَنْ قَالَهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إلَّا بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ؟» فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ؛ فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، وَاَللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا. قَالَ عُمَرُ: فَوَاَللَّهِ مَا هُوَ إلَّا أَنْ رَأَيْت اللَّهَ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ، فَعَرَفْت أَنَّهُ الْحَقُّ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَقَالَ: " لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا ".

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْعِقَالُ، صَدَقَةُ الْعَامِ. قَالَ الشَّاعِرُ:

سَعَى عِقَالًا فَلَمْ يَتْرُكْ لَنَا سَبَدًا ... فَكَيْفَ لَوْ قَدْ سَعَى عَمْرو عِقَالَيْنِ

وَقِيلَ: كَانُوا إذَا أَخَذُوا الْفَرِيضَةَ أَخَذُوا مَعَهَا عِقَالَهَا. وَمِنْ رَوَاهُ " عَنَاقًا " فَفِي رِوَايَتِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَخْذِ الصَّغِيرَةِ مِنْ الصِّغَارِ.

(١٦٩٠) فَصْلٌ: فَمَنْ أَنْكَرَ وُجُوبَهَا جَهْلًا بِهِ، وَكَانَ مِمَّنْ يَجْهَلُ ذَلِكَ إمَّا لِحَدَاثَةِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ، أَوْ لِأَنَّهُ نَشَأَ

<<  <  ج: ص:  >  >>