للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي لَفْظٍ، «أَنَّهُ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي لَفْظٍ: «فَمَضْمَضَ ثَلَاثًا وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا مِنْ كَفٍّ وَاحِدَةٍ.» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَابْنُ مَاجَهْ.

فَإِنْ شَاءَ الْمُتَوَضِّئُ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ ثَلَاثِ غَرَفَاتٍ، وَإِنْ شَاءَ فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا بِغَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحَادِيثِ. وَإِنْ أَفْرَدَ الْمَضْمَضَةَ بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ، وَالِاسْتِنْشَاقَ بِثَلَاثٍ، جَازَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثِ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ فَصَلَ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد؛ وَلِأَنَّ الْكَيْفِيَّةَ فِي الْغَسْلِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ.

[فَصْل التَّرْتِيبُ بَيْن الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق وَبَيْنَ غَسْلِ بَقِيَّةِ الْوَجْهِ]

(١٥٩) فَصْلٌ: وَلَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ غَسْلِ بَقِيَّةِ الْوَجْهِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَجْزَائِهِ، وَلَكِنْ الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِهِمَا قَبْلَ الْوَجْهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ وَصَفَ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ أَنَّهُ بَدَأَ بِهِمَا إلَّا شَيْئًا نَادِرًا. وَهَلْ يَجِبُ التَّرْتِيبُ وَالْمُوَالَاةُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ غَيْرِ الْوَجْهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا تَجِبُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ لِأَنَّهُمَا مِنْ الْوَجْهِ، فَوَجَبَ غَسْلُهُمَا قَبْلَ غَسْلِ الْيَدَيْنِ لِلْآيَةِ، وَقِيَاسًا عَلَى سَائِرِ أَجْزَائِهِ.

وَالثَّانِيَةُ: لَا تَجِبُ، بَلْ لَوْ تَرَكَهُمَا فِي وُضُوئِهِ وَصَلَّى تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَأَعَادَ الصَّلَاةَ وَلَمْ يُعِدْ الْوُضُوءَ؛ لِمَا رَوَى الْمِقْدَامُ بْنُ مَعْدِي كَرِبَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِوَضُوءٍ، فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد؛ وَلِأَنَّ وُجُوبَهُمَا بِغَيْرِ الْقُرْآنِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْأَعْضَاءِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّ فِي الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ التَّرْتِيبِ. وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِيهِمَا.

قِيلَ لِأَحْمَدَ فَنَسِيَ الْمَضْمَضَةَ وَحْدَهَا؟ قَالَ: الِاسْتِنْشَاقُ عِنْدِي آكَدُ، وَذَلِكَ لِصِحَّةِ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِيهِ بِخُصُوصِهِ. قَالَ أَصْحَابُنَا: وَهَلْ يُسَمَّيَانِ فَرْضًا مَعَ وُجُوبِهِمَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْوَاجِبِ، هَلْ يُسَمَّى فَرْضًا أَوْ لَا؟ وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ يُسَمَّى فَرْضًا، فَيُسَمَّيَانِ هَاهُنَا فَرْضًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَة غَسْلُ الْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ]

(١٦٠) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: وَغَسْلُ الْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَيُدْخِلُ الْمِرْفَقَيْنِ فِي الْغَسْلِ. لَا خِلَافَ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ فِي وُجُوبِ غَسْلِ الْيَدَيْنِ فِي الطَّهَارَةِ، وَقَدْ نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: ٦] . وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ إدْخَالُ الْمِرْفَقَيْنِ فِي الْغَسْلِ، مِنْهُمْ عَطَاءٌ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.

وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَابْنُ دَاوُد: لَا يَجِبُ. وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ زَفَرَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالْغَسْلِ إلَيْهِمَا، وَجَعَلَهُمَا غَايَتَهُ بِحَرْفِ إلَى، وَهُوَ لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ، فَلَا يَدْخُلُ الْمَذْكُورُ بَعْدَهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: ١٨٧]

وَلَنَا مَا رَوَى جَابِرٌ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا تَوَضَّأَ أَدَارَ الْمَاءَ إلَى مِرْفَقَيْهِ.» وَهَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>