للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ كَانَ كُلُّهُ فَوْقَ الْفَرْضِ خُيِّرَ الْمَالِكُ بَيْنَ دَفْعِ وَاحِدَةٍ مِنْهُ، وَبَيْنَ شِرَاءِ الْفَرْضِ فَيُخْرِجُهُ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ: لَا يُجْزِئُ إلَّا الثَّنِيَّةُ مِنْهُمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُمَا نَوْعَا جِنْسٍ، فَكَانَ الْفَرْضُ مِنْهُمَا وَاحِدًا، كَأَنْوَاعِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ. وَقَالَ مَالِكٌ تُجْزِئُ الْجَذَعَةُ مِنْهُمَا، لِذَلِكَ، وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا حَقُّنَا فِي الْجَذَعَةِ وَالثَّنِيَّةِ» .

وَلَنَا، عَلَى جَوَازِ إخْرَاجِ الْجَذَعَةِ مِنْ الضَّأْنِ مَعَ هَذَا الْخَبَرِ، «قَوْلُ سَعْدِ بْنِ دُلَيْمٍ: أَتَانِي رَجُلَانِ عَلَى بَعِيرٍ، فَقَالَا: إنَّا رَسُولَا رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَيْكَ؛ لِتُؤَدِّيَ صَدَقَةَ غَنَمِك. قُلْت: فَأَيَّ شَيْءٍ تَأْخُذَانِ؟ قَالَا: عَنَاقَ جَذَعَةٍ أَوْ ثَنِيَّةً.» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَلَنَا مَا رَوَى مَالِكٌ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ، قَالَ: «أَتَانَا مُصَدِّقُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: أُمِرْنَا أَنْ نَأْخُذَ الْجَذَعَةَ مِنْ الضَّأْنِ، وَالثَّنِيَّةَ مِنْ الْمَعْزِ» .

وَهَذَا صَرِيحٌ، وَفِيهِ بَيَانُ الْمُطْلَقِ فِي الْحَدِيثَيْنِ قَبْلَهُ، وَلِأَنَّ جَذَعَةَ الضَّأْنِ تُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ، بِخِلَافِ جَذَعَةِ الْمَعْزِ، بِدَلِيلِ «قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ، فِي جَذَعَةِ الْمَعْزِ: تُجْزِئُكَ، وَلَا تُجْزِئُ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ.» قَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ إنَّمَا أَجْزَأَ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ، لِأَنَّهُ يُلَقِّحُ، وَالْمَعْزُ لَا يُلَقِّحُ إلَّا إذَا كَانَ ثَنِيًّا.

[مَسْأَلَة ضَمَّ أَنْوَاع الْأَجْنَاس بَعْضهَا إلَى بَعْض فِي إيجَاب الزَّكَاة]

(١٧٢٢) مَسْأَلَةٌ: قَالَ (فَإِنْ كَانَتْ عِشْرِينَ ضَأْنًا، وَعِشْرِينَ مَعْزًا، أَخَذَ مِنْ أَحَدِهِمَا مَا يَكُونُ قِيمَتُهُ نِصْفَ شَاةِ ضَأْنٍ وَنِصْفَ مَعْزٍ) لَا نَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ضَمِّ أَنْوَاعِ الْأَجْنَاسِ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ، فِي إيجَابِ الزَّكَاةِ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَلَى ضَمَّ الضَّأْنِ إلَى الْمَعْزِ.

إذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّهُ يُخْرِجُ الزَّكَاةَ مِنْ أَيِّ الْأَنْوَاعِ أَحَبَّ، سَوَاءٌ دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ، بِأَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ وَاحِدًا، أَوْ لَا يَكُونَ أَحَدُ النَّوْعَيْنِ مُوجِبًا لِوَاحِدٍ، أَوْ لَمْ يَدَّعِ، بِأَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ النَّوْعَيْنِ يَجِبُ فِيهِ فَرِيضَةٌ كَامِلَةٌ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَمَالِكٌ وَإِسْحَاقُ يُخْرِجُ مِنْ أَكْثَرِ الْعَدَدَيْنِ، فَإِنْ اسْتَوَيَا أَخْرَجَ مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْقِيَاسُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مَا يَخُصُّهُ. اخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ لِأَنَّهَا أَنْوَاعٌ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، فَتَجِبُ زَكَاةُ كُلِّ نَوْعٍ مِنْهُ، كَأَنْوَاعِ الثَّمَرَةِ وَالْحُبُوبِ.

وَلَنَا، أَنَّهُمَا نَوْعَا جِنْسٍ مِنْ الْمَاشِيَةِ، فَجَازَ الْإِخْرَاجُ مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ، كَمَا لَوْ اسْتَوَى الْعَدَدَانِ، وَكَالسِّمَانِ وَالْمَهَازِيلِ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ يُفْضِي إلَى تَشْقِيصِ الْفَرْضِ، وَقَدْ عَدَلَ إلَى غَيْرِ الْجِنْسِ فِيمَا دُونَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ أَجْلِهِ، فَالْعُدُولُ إلَى النَّوْعِ أَوْلَى. فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّهُ يُخْرِجُ مِنْ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ مَا قِيمَتُهُ كَقِيمَةِ الْمُخْرَجِ مِنْ النَّوْعَيْنِ، فَإِذَا كَانَ النَّوْعَانِ

<<  <  ج: ص:  >  >>