للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُضَمُّ إلَى الْمَالِ الَّذِي فِي الْبَلَدِ الْآخَرِ. نَصَّ عَلَيْهِ.

قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا أَعْلَمُ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ غَيْرِ أَحْمَدَ وَاحْتَجَّ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ، خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ.» وَهَذَا مُفَرَّقٌ فَلَا يُجْمَعُ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا أَثَّرَ اجْتِمَاعُ مَالَيْنِ لِرَجُلَيْنِ، فِي كَوْنِهِمَا كَالْمَالِ الْوَاحِدِ، يَجِبُ أَنْ يُؤَثِّرَ افْتِرَاقُ مَالِ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ، حَتَّى يَجْعَلَهُ كَالْمَالَيْنِ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، قَالَ فِي مَنْ لَهُ مِائَةُ شَاةٍ فِي بُلْدَانٍ مُتَفَرِّقَةٍ: لَا يَأْخُذُ الْمُصَدِّقُ مِنْهَا شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، وَصَاحِبُهَا إذَا ضَبَطَ ذَلِكَ وَعَرَفَهُ أَخْرَجَ هُوَ بِنَفْسِهِ، يَضَعُهَا فِي الْفُقَرَاءِ. رُوِيَ هَذَا عَنْ الْمَيْمُونِيِّ وَحَنْبَلٍ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ زَكَاتَهَا تَجِبُ مَعَ اخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ، إلَّا أَنَّ السَّاعِيَ لَا يَأْخُذُهَا؛ لِكَوْنِهِ لَا يَجِدُ نِصَابًا كَامِلًا مُجْتَمِعًا، وَلَا يَعْلَمُ حَقِيقَةَ الْحَالِ فِيهَا، فَأَمَّا الْمَالِكُ الْعَالِمُ بِمِلْكِهِ نِصَابًا كَامِلًا، فَعَلَيْهِ أَدَاءُ الزَّكَاةِ وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي الْخَطَّابِ وَمَذْهَبُ سَائِرِ الْفُقَهَاءِ.

قَالَ مَالِكٌ أَحْسَنُ مَا سَمِعْت فِي مَنْ كَانَ لَهُ غَنَمٌ عَلَى رَاعِيَيْنِ مُتَفَرِّقَيْنِ بِبُلْدَانٍ شَتَّى، أَنَّ ذَلِكَ يُجْمَعُ عَلَى صَاحِبِهِ، فَيُؤَدِّي صَدَقَتَهُ. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ ". وَلِأَنَّهُ مِلْكٌ وَاحِدٌ أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ فِي بُلْدَانٍ مُتَقَارِبَةٍ، أَوْ غَيْرَ السَّائِمَةِ. وَنَحْمِلُ كَلَامَ أَحْمَدَ، فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى، عَلَى أَنَّ الْمُصَدِّقَ لَا يَأْخُذُهَا، وَأَمَّا رَبُّ الْمَالِ فَيُخْرِجُ. فَعَلَى هَذَا يُخْرِجُ الْفَرْضَ فِي أَحَدِ الْبَلَدَيْنِ شَاءَ، لِأَنَّهُ مَوْضِعُ حَاجَةٍ.

[مَسْأَلَة اخْتَلَطُوا فِي غَيْرِ السَّائِمَةِ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَعُرُوض التِّجَارَة وَالزُّرُوع وَالثِّمَار]

(١٧٣٦) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِنْ اخْتَلَطُوا فِي غَيْرِ هَذَا، أَخَذَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى انْفِرَادِهِ، إذَا كَانَ مَا يَخُصُّهُ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ) وَمَعْنَاهُ أَنَّهُمْ إذَا اخْتَلَطُوا فِي غَيْرِ السَّائِمَةِ، كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَعُرُوضِ التِّجَارَةِ وَالزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ، لَمْ تُؤَثِّرْ خَلَطَتْهُمْ شَيْئًا، وَكَانَ حُكْمُهُمْ حُكْمَ الْمُنْفَرِدِينَ. وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّ شَرِكَةَ الْأَعْيَانِ تُؤَثِّرُ فِي غَيْرِ الْمَاشِيَةِ، فَإِذَا كَانَ بَيْنَهُمْ نِصَابٌ يَشْتَرِكُونَ فِيهِ، فَعَلَيْهِمْ الزَّكَاةُ.

وَهَذَا قَوْلُ إِسْحَاقَ وَالْأَوْزَاعِيِّ فِي الْحَبِّ وَالثَّمَرِ. وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: الْأَوْزَاعِيُّ يَقُولُ فِي الزَّرْعِ، إذَا كَانُوا شُرَكَاءَ فَخَرَجَ لَهُمْ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ، يَقُولُ: فِيهِ الزَّكَاةُ. قَاسَهُ عَلَى الْغَنَمِ، وَلَا يُعْجِبُنِي قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَمَّا خُلْطَةُ الْأَوْصَافِ، فَلَا مَدْخَلَ لَهَا فِي غَيْرِ الْمَاشِيَةِ بِحَالٍ، لِأَنَّ الِاخْتِلَاطَ لَا يَحْصُلُ. وَخَرَّجَ الْقَاضِي وَجْهًا آخَرَ، أَنَّهَا تُؤَثِّرُ؛ لِأَنَّ الْمَئُونَةَ تَخِفُّ إذَا كَانَ الْمُلَقِّحُ وَاحِدًا، وَالصِّعَادُ، وَالنَّاطُورُ، وَالْجَرِينُ، وَكَذَلِكَ أَمْوَالُ التِّجَارَةِ؛ الدُّكَّانُ وَاحِدٌ، وَالْمَخْزَنُ وَالْمِيزَانُ وَالْبَائِعُ، فَأَشْبَهَ الْمَاشِيَةَ. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ عَلَى نَحْوٍ مِمَّا حَكَيْنَا فِي مَذْهَبِنَا. وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْخُلْطَةَ لَا تُؤَثِّرُ فِي غَيْرِ الْمَاشِيَةِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>