للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ؛ لِوُجُودِ الشَّرَائِطِ الثَّلَاثِ فِيهِمَا، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَجَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَبِهِ قَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَابْنُ سِيرِينَ وَعَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَرَبِيعَةُ وَمَالِكٌ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالشَّافِعِيُّ وَالْعَنْبَرِيُّ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو ثَوْرٍ وَيُحْكَى عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُمْ قَالُوا: تَجِبُ الزَّكَاةُ، وَلَا تُخْرَجُ حَتَّى يَبْلُغَ الصَّبِيُّ، وَيُفِيقَ الْمَعْتُوهُ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ أُحْصِي مَا يَجِبُ فِي مَالِ الْيَتِيمِ مِنْ الزَّكَاةِ، فَإِذَا بَلَغَ أُعْلِمُهُ، فَإِنْ شَاءَ زَكَّى، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُزَكِّ. وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ إبْرَاهِيمَ وَقَالَ الْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَبُو وَائِلٍ وَالنَّخَعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي أَمْوَالِهِمَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجِبُ الْعُشْرُ فِي زُرُوعِهِمَا وَثَمَرَتِهِمَا، وَتَجِبُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَلَيْهِمَا.

وَاحْتَجَّ فِي نَفْيِ الزَّكَاةِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ.» وَبِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ؛ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِمَا، كَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ. وَلَنَا، مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ وَلِيَ يَتِيمًا لَهُ مَالٌ فَلْيَتَّجِرْ لَهُ، وَلَا يَتْرُكُهُ حَتَّى تَأْكُلَهُ الصَّدَقَةُ.» أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ. وَفِي رُوَاتِهِ الْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ، وَفِيهِ مَقَالٌ، وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى عُمَرَ: " وَإِنَّمَا تَأْكُلُهُ الصَّدَقَةُ بِإِخْرَاجِهَا ".

وَإِنَّمَا يَجُوزُ إخْرَاجُهَا إذَا كَانَتْ وَاجِبَةً؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَبَرَّعَ بِمَالِ الْيَتِيمِ، وَلِأَنَّ مِنْ وَجَبَ الْعُشْرُ فِي زَرْعِهِ وَجَبَ رُبْعُ الْعُشْرِ فِي وَرِقِهِ، كَالْبَالِغِ الْعَاقِلِ، وَيُخَالِفُ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ، فَإِنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِالْبَدَنِ، وَبِنْيَةُ الصَّبِيِّ ضَعِيفَةٌ عَنْهَا، وَالْمَجْنُونُ لَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ نِيَّتُهَا، وَالزَّكَاةُ حَقٌّ يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ، فَأَشْبَهَ نَفَقَةَ الْأَقَارِبِ وَالزَّوْجَاتِ، وَأُرُوشَ الْجِنَايَات، وَقِيَمَ الْمُتْلَفَاتِ، وَالْحَدِيثُ أُرِيدَ بِهِ رَفْعُ الْإِثْمِ وَالْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ، بِدَلِيلِ وُجُوبِ الْعُشْرِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ، ثُمَّ هُوَ مَخْصُوصٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَالزَّكَاةُ فِي الْمَالِ فِي مَعْنَاهُ، فَنَقِيسُهَا عَلَيْهِ.

إذَا تَقَرَّرَ هَذَا، فَإِنَّ الْوَلِيَّ يُخْرِجُهَا عَنْهُمَا مِنْ مَالِهِمَا؛ لِأَنَّهَا زَكَاةٌ وَاجِبَةٌ، فَوَجَبَ إخْرَاجُهَا، كَزَكَاةِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ، وَالْوَلِيُّ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي أَدَاءِ مَا عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهَا حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، فَكَانَ عَلَى الْوَلِيِّ أَدَاؤُهُ عَنْهُمَا، كَنَفَقَةِ أَقَارِبِهِ، وَتُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْوَلِيِّ فِي الْإِخْرَاجِ، كَمَا تُعْتَبَرُ النِّيَّةُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ.

[مَسْأَلَة السَّيِّد يُزَكِّي عَمَّا فِي يَد عَبْده]

(١٧٤٠) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَالسَّيِّدُ يُزَكِّي عَمَّا فِي يَدِ عَبْدِهِ؛ لِأَنَّهُ مَالِكُهُ) يَعْنِي أَنَّ السَّيِّدَ مَالِكٌ لِمَا فِي يَدِ عَبْدِهِ، وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فِي زَكَاةِ مَالِ الْعَبْدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>